سمر المقرن
أحزنني الخبر الوارد عن وجود تصريحات عراقية تتضمن وجود نيّة لتغيير اسم مدينة «بابل».. هذا الاسم الذي أتذكره جيداً عندما كانت تكرره معلمة التاريخ وأنا أدرس في المرحلة الثانوية. كان لهذه المدينة وقع خاص عندي في البحث نظراً لتعلقي بكثير من الحضارات وعلى رأسها الحضارة العراقية، لم يكن يتواجد -آنذاك- السيد «قوقل» لذا كنت أتعنّى إلى المكتبات للبحث بين أرففها عما يُمكن أن يلبي فضولي لأتعرف أكثر على «بابل» و»آشور». كان درس التاريخ بالنسبة لي مميزاً وكانت هذه المادة هي الأعلى في تحصيلي للدرجات، أتذكر جيداً وكأنه بالأمس القريب نقاشي مع المعلمة. وبعد الثانوية عقدت العزم على أن أتخصص في التاريخ بالجامعة، لكن نصائح المقربين مني أبعدتني عن هذا التخصص الذي ليس له مستقبل فذهبت إلى كلية التربية ثُمّ إلى الإعلام.
اليوم يحاول -بعضهم- طمس بابل، طمس اسمها وتاريخها، وكأن هذه الحضارة توجع سارقي التاريخ، فماذا تبقى من العراق؟ ماذا تبقى من مكاتبها ومخطوطاتها ومتاحفها وآثارها؟ ماذا تبقى من الإنسان العراقي نفسه؟ كل شيء أخذوه منه، سرقوا وطنه وأرضه وبيته وتاريخه وحضارته، وحتى ما تبقى منها يريدون طمسه، وكأنهم يريدون أن يستبعدوا العراق من التاريخ كما أرادوا تغيير معالمها وحدودها في الجغرافيا!
هذه الحضارة توجع الاستعمار، وتؤلم عُشاق الطائفية والعنصرية والفكر القاتم، هي امتداد لجذور الإنسان العراقي الذي أرادوا «جَذّ» هويته واجتثاث أصوله، وكأن هذا تنفيذ لأجندة اقتلاع الإنسان العراقي لشرق أوسط جديد بلا «العراق»، لتكون مجرّد بقعة بلا هوية، مجرد أرض داكنة السواد يتجاذبها الإرهاب الشيعي من جهة والإرهاب السني من جهة ثانية، لكن يظل الأمل، بل كل الأمل في أهلها الذين لم ولن يستسلموا، في أرض تشبعّت بدمائهم وجراحهم، أن تبقى «بابل» هوية لحضارة مشرقة جذورها راسخة في التاريخ والقلوب، أن لا تستسلم لأذرع الظلام الباغية، وأن يبقى هذا التراث مبتسماً كلمَا وجمت وجوه العنصرية والطائفية وأعداء الحضارة والإنسانية.
تبقى العراق تاريخاً، وتظل «بابل» بوابة رمز لهذا التاريخ الحضاري والإنساني الذي ظل متماسكاً ومتمسكاً بهويته إلى أن عصف بمنطقتنا جنود الاحتلال والإرهاب والطائفية!