عماد المديفر
لم يلبث سمو ولي ولي العهد أن انتهى من رفع خطته التنفيذية متوسطة المدى لتحقيق رؤية المملكة 2030، والتي عُرفت بـ «برنامج التحول الوطني 2020»، ومن ثم إقرارها من مجلس الوزراء الموقر في غرة رمضان المبارك، حتى أعد العدة، مرتكز الرؤية، ممتشق الخطة.. وشارعاً في جولة مكوكية مطولة، استهلها بزيارة رسمية للحليف التاريخي الأكبر، الولايات المتحدة الأمريكية، ثم لحليفنا الذي يتناغم في سياساته الخارجية معنا حد التطابق.. جمهورية فرنسا العظيمة -والتي أُحب أن أطلق عليها لقب «الحليف المتناغم»- ولن تتوقف هذه الجولة عند هذا الحد.. إذ يرى مراقبون بأنها جولة ضمن سلسلة تُغرّب، وتُشرّق..
فبتوجيه من مولاي خادم الحرمين الشريفين وإشراف ومتابعة مباشرة من سمو ولي عهده الأمين، صام سيدي محمد بن سلمان ثلثي شهر رمضان المبارك خارج الوطن، حاملاً هم الوطن، ومستقبل المواطن والأجيال القادمة.. يسابق الزمن، ويطوي الأرض متنقلاً بين المدن والولايات والدول، في سعي حثيث دؤوب، وعمل متطلع للخير يؤوب، لا يعرف الملل، ولا ينهكه الكلل.. باحثاً عن شراكات حقيقية، لبناء المستقبل، وتحقيق الرؤية.
إننا في المملكة ننظر للولايات المتحدة كحليف إستراتيجي، تربطنا بها مصالح حيوية.. ودائماً ما نسعى لتوطيد هذا الحلف، تماماً كما بدأ أول مرة، حين التقى المؤسس العظيم الملك عبدالعزيز - رحمه الله - بالرئيس الأمريكي المحنّك «روزفيلت» في البحيرات المُرّة قبل أكثر من 71 عاماً، حيث رأى كلا الزعيمين الكبيرين الثقل الوازن، والدور البالغ الأهمية الذي يمكن أن يلعبه البلدان في تعزيز الأمن والسلم الدوليين.
صادقون، نزيهون، ويملكون إرادة حديدية.. هكذا وصفنا «روزفيلت» ومن بعده الرؤساء الأمريكيون.. فهذه سياستنا الراسخة عبر التاريخ، النابعة من عقيدتنا الإسلامية السمحة، وأخلاقنا العربية الأصيلة.. لذا فنحن أوفياء مع حلفائنا.. كرماء مع أصدقائنا.. لكننا بالتأكيد لن نبقى مكتوفي الأيدي أمام أي أمر قد يمس مصالحنا الوطنية الإستراتيجية، أو الحيوية، ففي المحصلة فإن الدخول في أحلاف يأتي لتأمين المصالح الوطنية العليا بالدرجة الأولى.
إن تعزيز العلاقات السعودية الأمريكية، يأتي ضمن مقدم أولويات السعوديين، قيادةً وشعباً.. لعدة اعتبارات سياسية واقتصادية، بل وحتى ثقافية واجتماعية وحضارية وإنسانية.. فللولايات المتحدة مكانة علية.. وتاريخ مشترك جميل، ولم ننس للحظة أنها الشريك الأكبر والفاعل في نهضة هذا الوطن، بل ونعوّل على هذه العلاقات الكثير لتحقيق شراكة عميقة لمستقبل مشرق، ونهضة تنموية مستدامة، وتعزيز الأمن والسلم، وخاصة في منطقتنا التي تعاني اليوم من تهديدات حقيقية على كافة الصعد..
وفي هذا السياق تأتي زيارة ولي ولي العهد إلى الولايات المتحدة كأول زيارة رسمية يقوم بها مسؤول سعودي رفيع بُعيد إقرار المقام السامي الكريم للرؤية، واعتماد التحول الوطني.
لقد كان لتسليم سموه نسخة عن «الرؤية» للرئيس الأمريكي كأول حليف يتسلّم نسخة عنها.. إشارات عميقة، بحجم عمق العلاقات البينية والمصالح المشتركة بين البلدين الحليفين.. كما كانت كلمات سموه في لقائه مع وزير الدفاع الأمريكي أيضاً واضحة الدلالة، حيث أكّد أن هذه الزيارة تأتي في وقت حساس جداً، تعاني فيه المنطقة من مخاطر كثيرة، يتقدمها عدم استقرار بعض دولها، ومعاناة أخرى من التدخلات الخارجية في شؤونها الداخلية، والإرهاب.. وأنه يُنتَظر اليوم من أمريكا وحلفائها القيام بدور مهم جداً لمجابهة هذه المخاطر التي تؤثِّر على العالم برمته، وأن المملكة لن تدخر وسعاً للقيام بما يجب.
الزيارة فتحت أبواباً عديدة لتعزيز المصالح والشراكة الإستراتيجية البينية في مجالات شتى.. إلا أن لها أهمية مفصلية، وضعت أمريكا أمام مسؤولياتها.. وأوصلت لها رسالة واضحة.. إننا لن تتردد باتخاذ ما يلزم للحفاظ على مصالحنا الوطنية، وأننا نتوقّع من حلفائنا الدعم الكامل.. وأن إستراتيجية عدم الوضوح التي انتهجتها السياسة الأمريكية في المنطقة مؤخراً.. لم تعد مناسبة.
صفحة جديدة من تاريخ العلاقات السعودية الأمريكية.. أشبه ما يكون بلقاء الملك عبدالعزيز - رحمه الله - بروزفيلت.. والكرة الآن في ملعب الأمريكان.