د. عبدالواحد الحميد
يحتاج المرء إلى طاقة هائلة من الخيال كي يستوعب كيف يُقدِم إنسان أو حتى حيوان على قتل أمه لأي سبب من الأسباب. ولكن، للأسف، هذا ما حدث عندنا هنا في مدينة الرياض عندما تعاون شقيقان داعشيان على قتل أمهما ومحاولة قتل أبيهما وشقيقهما!!
والمصيبة أن هذين القاتلين أقدما على جريمتهما النكراء لأن والدتهما حاولت حمايتهما من الموت في أتون القتال الداعشي، فكان عقابها هو تمزيق جسدها وقتلها طعناً بالسكاكين في عملية مسبقة التخطيط والإصرار في فجر الجمعة من أحد أيام شهر رمضان المعظم!
هذا المستوى من الجنون المرعب الذي وصل إليه بعض شبابنا هو فعلاً فوق طاقة الإنسان على التصور والخيال. فقبل ذلك، كان بعض شبابنا قد أقدموا على قتل أقاربهم القريبين جداً بدوافع داعشية!
لا نحتاج إلى التأكيد بأن هناك خطأ فادحاً ومخيفاً يحدث في مجتمعنا ويتطلب إصلاحاً عاجلاً يقتلع هذا الخطأ ويزيله من جذوره دون مجاملة لأحد أو التماس أعذار واهية أو البحث عن مشاجب نضع عليها مثل هذا الخطأ الرهيب.
نحن نخدع أنفسنا إذا تساهلنا في التعامل مع مثل هذا العنف الذي تقشعر له الأبدان والذي يتم ربطه للأسف بالدين وليس بالفتاوى الشخصية لبعض من ينسبون أنفسهم إلى الدين، فمن غير الممكن بعد ما حدث أن نستمر في نظرتنا التبسيطية وتسطيحنا لظاهرة التعاطف الظاهر والمستتر لتنظيم داعش والتنظيمات الأخرى المشابهة له التي تتخذ تسميات عديدة وعاثت فساداً داخل البلدان الإسلامية وغير الإسلامية.
من المؤكد أن قدرة داعش على التأثير في شبابنا لا ترجع إلى سبب واحد وإنما جملة من الأسباب ولكن أياً كانت تلك الأسباب فإن من المؤكد أيضاً أن هذه القدرة تستند إلى خلفية تجعل من اختراق عقول شبابنا أمراً ممكناً.
هناك من يتحدث عن المناهج الدراسية وعن بعض أنواع الخطب والمواعظ الدينية وعن الصحبة السيئة وعن التفكك الأسري وعن سطوة وسائل الاتصال الحديثة وعن أشياء أخرى كثيرة قد تكون جميعها ذات علاقة بهذه المصائب التي حلت بنا. ولكن هل يصعب على مجتمعنا بكل مؤسساته الرسمية والأهلية أن يدرس ظاهرة العنف الداعشي من خلال الوثائق والشواهد والأدلة التي بحوزة المقبوض عليهم ومعرفة الأسباب التي تدفع شبابنا إلى الانزلاق في هذا الجنون ثم معالجة الأمر من خلال سياسة صارمة تحمي مجتمعنا من هذا الخطر الرهيب؟
يجب أن تكون جريمة قتل الشقيقين الداعشيين لوالدتهما منعطفاً مهماً وحاسماً في مسيرة تعامل الدولة والمجتمع مع ظاهرة الإجرام الداعشي، ويجب وضع النقاط على الحروف والشفافية الكاملة في تشخيص أسباب هذه الظاهرة، لأن الخطر وصل مداه بعد هذه الجريمة النكراء.