«الجزيرة» - المحرر:
يمثل الشباب ما نسبته 65% من المجتمع السعودي، وذلك يتطلب تخطيط الحاضر والمستقبل وفقاً لمستوى تطلعاتهم وطموحاتهم وثقافاتهم، فالنسبة العالية للشباب في مجتمع ما تُوحي بأن هذا المجتمع حيوي وواعد بالنمو والازدهار والطموح وهي المفردات التي شملتها رؤية المملكة 2030.. ولكي يتحقق ذلك الأمر وفق ما هو مخطط له يجب مراعاة ثقافة الشباب وقيادتها لتكون متوافقة مع الخطط والأهداف الوطنية، حتى لا تحدث فجوة وتنشأ ثقافة فرعية خاصة بالشباب وتبتعد كلياً عن الرؤية وذلك سيضعف من تنفيذ برامج الرؤية، فهم وقود ومعاول وبناة تلك الرؤية السعودية الحلم.
تعد الثقافة في شموليتها المحيط الذي يُشكّل فيه الفرد طباعه وشخصيته، وهي حسب تعريف المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم أنها «تشتمل على جميع السمات المميزة للأمة من مادية وروحية وفكرية وفنية ووجدانية، وتشمل جميع المعارف والقيم والالتزامات الأخلاقية المستقرة فيها، وطرائق التفكير والإبداع الجمالي والفني والمعرفي والتقني، وسبل السلوك والتصرف والتعبير، وطراز الحياة، كما وتشمل تطلعات الإنسان للمثل العليا ومحاولاته في إعادة النظر في منجزاته، والبحث الدائم عن مدلولات جديدة لحياته وقيمه ومستقبله وإبداع كل ما يتفوق به على ذاته» وللشباب في كل المجتمعات ثقافتهم الخاصة وأسلوب حياتهم وتنجح الكثير من المجتمعات باحتضان ثقافة الشباب وضمها ضمن السياق والإطار الثقافي الوطني وقيادتها لتحقيق الأهداف والغايات المستقبلية.
ولكي نقود ثقافة الشباب ونجعلها ثقافة داعمة لا بد أن نتعرف على بعض المحاور والقضايا التي تدور في فلك ثقافة الشباب ويشترك فيها الكثير من نفس الفئة العمرية ذكوراً وإناثاً:
قضايا ومحاور ثقافة الشباب:
الفراغ:
يرى علماء الاجتماع أن الشباب «مرحلة عمرية تبدأ حينما يحاول المجتمع إعداد الشخص وتأهيله لكي يحتل مكانة اجتماعية ويؤدي دوراً أو أدواراً في بنائه وتنتهي حينما يتمكن الشخص من القيام بدوره في السياق الاجتماعي. أما الفراغ فيمكن تعريفه على أنه الوقت الحر وهو الوقت الزائد الذي يمكن للفرد من خلاله ممارسة خياره الحر في ممارسة النشاط الذي يرغب. وللفراغ عدة أنواع منها الفراغ العاطفي والنفسي والفكري والروحي، وإن أول وأخطر أنواع الفراغ: الفراغ القلبي والفراغ الروحي من الروحانيات والطاعات، ثانياً: الفراغ العقلي والفكري من العلوم النافعة والثقافة القويمة. وثالثها: الفراغ النفسي من الأعمال المفيدة والأشغال الممتعة، وكذلك الفراغ العاطفي من الحنان الأسري والإشباع العاطفي. يؤدي وجود وقت متسع من الفراغ لدى أعداد كبيرة من الشباب إلى الانخراط في اللهو والعبث والجلوس في المقاهي أو التسكع في الشوارع والطرقات. ومثل هذه الحالة من اللا مبالاة وعدم الجدية قد تنمي في الشاب عادة الإهمال، وقد تدفعه نحو الانحراف والضياع، إلى جانب عدم الاستفادة من وقته، ومن شأن وجود وقت كبير من الفراغ أن ينمي عادات سلبية كالكسل والتراخي, ومما لا شك فيه فإن مجتمعنا يعاني من نقص حاد في برامج وفعاليات الشباب، وبلا شك بأن ازدياد ثقافة الكسل والتراخي داخل أوساط الشباب سيضعف من حظوظ النجاح بأهداف الرؤية 2030 ولذا يتوجب على المخططين ابتكار العديد من البرامج التدريبية والترفيهية التي تحتضن الشباب وتنمي مهاراتهم وتروّح عنهم وتغرس فيهم العديد من القيم الدينية والوطنية والمهنية... وغيرها، وحتى لا يحصد الفراغ جميع ما بذرته الأسرة والمدرسة من قيم ومبادئ ونفقد الاتصال مع جيل الشباب، الذي وجد ملذته ومارس فراغه في محضن آخر.
الإحباط:
يرتبط مفهوم الإحباط نفسيًا بمفهوم الحاجة، بمعنى أن الفرد أو الجماعة عندما يواجهون عائقًا أمام تلبية احتياجاتهم، سواء المادية أو الاجتماعية أو النفسية، فإنهم يمرون بمشاعر وأحاسيس سلبية تنتج عن إحباط مشاعرهم الإيجابية، والإنسان في حياته العامة يواجه العديد من الإحباطات الناتجة عن الإخفاق في تحقيق بعض أو كل احتياجاته، وكلما كان الفرد يحمل طموحات كبيرة لتحقيق العديد من الإنجازات، كلما كان عرضة للإحباط بشكل أكبر، والشباب في أي مجتمع يحملون النسبة الكبرى من تلك الطموحات لتحقيق احتياجاتهم وتأمين مستقبلهم على خلاف الأطفال والمسنين، وبالتالي يكون الشباب والشابات أكثر عرضة لمشاعر الإحباط. وتكمن خطورة الإحباط عندما يتم تغذيتها بشكل دائم ومستمر في المكان المفضل للشباب وهو فضاء التقنية ووسائل التواصل الاجتماعي والأكثر خطورة لا تأتي من المعرّف الخارجي بل تأتي من الابن غير البار المواطن الخبير ممن يدعي استشراف المستقبل ويصدر تقارير صادمة محبطة للشباب فيزيد من معاناتهم النفسية ونقمتهم على وضعهم الحالي والمستقبلي بل ويتم تتداول العديد من المنجزات الوطنية على شكل من السخرية والمزايدة والمقارنة!.. وذلك بلا شك ينمي ثقافة الإحباط للشباب والذي تحتاجهم الرؤية وهم في كامل حالتهم المعنوية المرتفعة وروحهم الإيجابية وطاقاتهم الفعّالة، لن يستقيم البناء وأحد المنفذين لبرامج الرؤية من الشباب يقدم خطوة ويتراجع خطوتين متردداً.. وسيكون من المناسب بأن تكون هناك تظاهرة مجتمعية تدعم الإيجابية وتحارب كل شخص مُحبط أياً كان وزنه وعلمه، فما يحتاجه الشباب الآن في مضمار العمل الوطني لتحقيق الرؤية هو الإيجابية والروح المعنوية العالية المتقدّة بالحماس والعطاء.
الأميّة المهاراتية:
وهي أزمة الفقد المهاراتي للكثير من الشباب والشابات وذلك للفجوة الكبيرة ما بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل وكذلك ضعف مخرجات التعليم في الجانب المهاراتي وذلك ما كشفته الكثير من الدراسات الوطنية، فالطالب السعودي يفتقد للكثير من المهارات الحياتية ومهارات سوق العمل، وذلك أمر يحبط الشاب الذي يرغب بخدمة وطنه ويحقق أهداف الرؤية الوطنية فلديه الهم والهمّة ولكن للأسف لا تسعفه الأدوات، فعلى سبيل المثال خريج من إحدى الجامعات المحلية يرغب بالتوظف وعند طرقه للأبواب المهنية يُطلب منه التحدث بطلاقه للغة الإنجليزية أو المهارة العالية في الحاسب الآلي وبرامجه!! أليس ذلك مُحبطاً للشاب، فلقد تعب وبذل وتخرج وفي الأخير يكتشف بأن مهاراته غير كافية لسوق العمل، وذلك يتطلب من المسؤولين في التعليم في التعامل بجدية في سد الفجوة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل، هذا الملف الذي مر على أربعة وزراء تعليم ولكن بدون معالجة لتلك المشكلة!! وفي الأخير نتساءل لم لدينا نسبة كبيرة من إحباط الشباب؟؟ ولم لدينا نسبة كبرى من بطالة الشباب؟!
* صراع الأجيال: الحقيقة أن القاعدة العريضة من الشباب تشعر بوجود فاصل زمني ومساحة في التفكير المختلف بينها وبين الجيل أو الأجيال التي تسبقها حين القمة في الأجيال السباقة تسطح النظر إلى أفكار الشباب تمنحهم قطرات من الخبرة مع كثير من المنّ، ولا يترك هؤلاء مقاعدهم لمنح الفرص للشباب لإثبات وجودهم وتحقيق مستجدات نظرياتهم وأفكارهم التي هي في الغالب أكثر مواءمة وملاءمة لمتغيرات العصر. وهذه مشكلة لها جذور حادة في واقعنا الاجتماعي، إذ تزداد فجوة التفاهم والتجانس والتآلف بين الشباب والكبار وأضحى الكبار ينظرون بعقلية الوصاية وإصدار الأوامر الأخطر من ذلك أن غالبية الآباء أضحى جل همهم توفير متطلبات العيش والتعليم والصحة لأبنائهم، دفعهم ذلك الواقع إلى تصور أن هذا هو كل ما يريده الشباب. ولكن في حقيقة الأمر الشاب يحتاج إلى إتاحة الفرصة للحديث وإبداء الرأي والمشورة والتمكين لبعض المهام، فهم جيل تقني ذو معرفة عالية ومتوسط ذكاء مرتفع ويحتاج منّا لإعطائه مساحة ومقعد دائم في مطبخ صناعة القرار.