د.علي القرني
من الواضح أن الدراما والإرهاب أصبحا موضوعا ساخنا في شبكات التواصل الاجتماعي، فقد اقترن ظهور حلقات عن الإرهاب مع سلسلة من أعمال إرهابية ارتكبها صغار السن ربما غررت بهم تلك الحلقات الدرامية في سيلفي وغيره بطريقة غير مقصودة طبعا، لكنها كانت بمثابة معالجة خاطئة لموضوع شائك يختلط فيه السياسي بالإعلامي بالاجتماعي بالنفسي بالشرعي، وتتقاطع فيه النوايا الشريرة مع النوايا الحسنة لتوصلنا إلى مزيد من العنف والاستلاب والتفكير المشوش.
موضوع الإرهاب من الموضوعات الخطيرة التي تهز استقرار المجتمعات وتهدد أمنه، ولهذا يجب أن تكون تحت اهتمام المجتمع بأكمله، ويجب أن نفكر جميعا في كيفية معالجة مثل هذا الداء الذي بدأ يستفحل في مجتمعاتنا الخليجية والعربية، وبدأ يصدر لنا تبعات خطيرة على ضعاف النفوس من شباب مراهق يقع تحت تأثير أفكار ضالة ومفاهيم خاطئة.
إن أخطر ما تقع فيه هذه المسلسلات الدرامية الكوميدية انها تقدم رؤية معالجة خاطئة لموضوع الإرهاب، خصوصاً ما يتعلق بداعش وأذنابها النائمة في بيوت آمنة ومع أهالي وربوع مستكينة في حياتها الطيبة وعيشتها الهنية. هناك (شفرات نفسية) تضعها هذه المسلسلات من غير قصد في جمل وإيماءات ومواقف هي التي تشحذ النفوس الضعيفة وتوقد الشر في العقول السقيمة. واخطر هذه المعالجات هو تغليف الموضوع الداعشي بالكوميديا التي يستظرفها المشاهد في شخصيات نحبها ونتابعها، وكأننا نقدم داعش بطريقة كوميدية مثلما نقدم موضوعا من موضوعات المجتمع الأخرى كالفساد أو البيروقراطية أو المحسوبية أو التفحيط أو غيرها من قضايا ومشاكل المجتمع الصغرى.
المشكلة الثانية التي تقع فيها مثل هذه المسلسلات هو صناعة الأبطال، فيظل الشرير هو البطل في نهاية مثل تلك الحلقات، وهذا يؤدي حتما إلى تقمص شخصيات الشر من قبل شخصيات ضعيفة في المجتمع تريد أن تكون بطلة في محيطها القريب. ولاشك أن صناعة الأبطال من مثل هذه الحلقات هي من اسهل الأمور التي تواجهها هذه المسلسلات الرمضانية، حيث للأسف ينقلب السحر على الساحر، وبدل أن نصنع أبطالا خيرين نصنع الشر داخل نفوس مريضة، وبدل أن نقوض الفكر الضال نعمل على تقويض الفكر السليم من خلال عملية درامية نصنع فيها أبطال الشر في بيوتنا.
وثالث المخاطر التي نواجهها كمجتمع بسبب ظهور مثل هذه المسلسلات هو تعليم أدوات الجريمة وتقريبها في الأذهان، وتعليم طريقة تنفيذ تلك الجرائم وتمريرها في الوعي لأشخاص يتنازعهم الشر ويشوش عليهم ظلام الحقيقة. ولاحظنا في بعض الحلقات طريقة تنفيذ جرائم ما لبثنا إلا شاهدناها على الواقع وقرأناها في الصحف وشبكات التواصل الاجتماعي في اليوم التالي بنفس الطريقة التي أظهرتها لنا مسلسلاتنا التلفزيونية. وخطورة تلك المسلسلات تقريب أدوات الجريمة إلى أذهان النفوس الضعيفة، وتلخيص إجراءات الجريمة في أدوات وخطوات واضحة.
أما رابع وآخر - وليس أخيرا - هذه المخاطر في مثل هذه الحلقات فهو التآلف مع الجريمة وتحويلها إلى عمل مألوف من كثرة تكرارها ووضعها في سياق كوميدي محبوب إلى حد ما، يؤدي إلى تآلف المشاهد مع تلك الجرائم التي تصنع قدوات من الشر ونماذج من الخيانات للأسرة والوطن والمجتمع. إن صناعة الألفة مع الجريمة من اخطر التأثيرات السلبية على المشاهد، لأنه سيعتبرها ملمحا قريبا من النفس وموقفا قريبا من الناس وعملا اعتاده المجتمع، وبالتالي تصبح الجريمة جزءا منا ونحن جزء منها.
أعلم جيدا أن القائمين على هذه البرامج والمسلسلات لا يقصدون أثرا سلبيا لها في مجتمعنا، بل العكس تماماً لكن الواقع يشير إلى تفاقم الآثار السلبية لها في مجتمعنا، وربما يعود ذلك كما سبق أن كررته في أكثر من مقال في هذه الصحيفة هذا العام وفي العام السابق وفي أعوام سابقة إلى عدة أسباب، من بينها:
سطحية المعالجة لموضوع خطير مثل الإرهاب وعدم التعب في البحث عن طرق معالجات صحيحة، وأثبتت هذه المسلسلات ضعف القدرة على صناعة الحلول.
عدم الرجوع للدراسات والبحوث التي ناقشت تأثير التلفزيون والإعلام على العنف في المجتمع، فهناك مئات بل آلاف الدراسات منذ الستينات الميلادية تناقش وتثبت أن العنف في الأفلام والتلفزيون يتماهى مع العنف في المجتمع، بل ربما يصنعه ويروج له.
انتهاء الحبكة الدرامية في مسلسلاتنا بإطلاق النار على الوالدين أو الإخوان أو الأهل أو رجال الأمن، دون الدخول في تبعات المواقف الإِنسانية لمثل هذه الحالات، التي تبدأ مأساويتها من إطلاق النار، ولا تنتهي بها.
طغيان الهدف الكوميدي على الحدث التراجيدي، وهذا واضح جدا من المواقف التي تتبناها تلك المسلسلات، فهدفها إضحاك المشاهد على حساب مصلحة المجتمع وأمن مواطنيه وسكانه.