(بوسطن هيرالد) - أمريكا:
ما هي أعلى دولة بها مقاتلون في صفوف داعش كمجندين أجانب ؟ هل هي الجزائر أم أفغانستان أم إندونيسيا؟ لا، إنها فنلندا، ثم أيرلندا ثم بلجيكا ثم السويد ثم النمسا؛ فما هو القاسم المشترك بين هذه الدول، بجانب أنها دول أوروبية؟ إنها دول غنية وديموقراطية وتتمتع بمستويات عالية من التعليم والصحة ومستوى الدخل، كما أنها أيضًا الأقل ظلمًا في المساواة الاقتصادية. هذه الأرقام ظهرت في تقرير للمكتب الوطني الأمريكي للبحوث الاقتصادية، وهو مؤسسة اقتصادية غير ربحية، وكان من آخر أعماله أيضًا تقرير عن العوامل المساعدة للتطرف وهي : ضعف الاندماج والاستيعاب داخل تلك المجتمعات الأوربية، فداعش يعتمد بصورة كبيرة على الأقليات التي لا تتبنى ثقافة الدولة التي يعيشون فيها ولم يصبحوا جزءًا منها. هذه الاستنتاجات تعارض الانطباعات العامة المسبقة التي كانت تفيد بأن التطرف يأتي نتيجة عدم المساواة الاقتصادية؛ حيث يقول التقرير أن «نتائجنا تظهر أن الظروف الاقتصادية ليست الأسباب الأساسية للزيادة العالمية في عدد المقاتلين الأجانب في شبكة داعش».
لقد توصل التقرير إلى وجود علاقة إيجابية قوية بين تجنيد داعش وارتفاع مستوى الدخل بالنسبة للفرد بالإضافة إلى ارتفاع مؤشر التنمية الإنسانية ومؤشر الحقوق السياسية في تلك الدول، وكلاهما يشكلان وسائل قياس اقتصادية. باختصار، معظم مجندي تنظيم داعش من الشباب الأوربي يأتون من مجتمعات تنعم بالراحة والحقوق.
إذن ما الذي يقنع الشباب في مثل تلك المجتمعات المتقدمة بالانضمام إلى داعش؟ الجواب هو: الفشل في استيعابهم، طبقًا لتقرير المكتب الوطني. ولقياس ذلك، نظرت المؤسسة في مؤشرات الاستيعاب العرقي واللغوي والديني الذي طورته مراكز أبحاث جامعة هارفارد وقامت بحساب احتمالية أن اثنين من الأفراد في أي مجتمع لا يتشاركان في نفس العرق أو الدين أو اللغة، ووجد التقرير أن الدول الأوروبية بها مستويات استيعاب منخفضة وتفتقد إلى هضم الروح الوطنية، وهو ما يعني أن المهاجرين المسلمين لا يندمجون ثقافيًا، وقال إفراي بن ميليخ أحد كتاب التقرير في حوار عبر الهاتف: «الفرق بين أوروبا والولايات المتحدة هو وعاء الانصهار». أو بعبارة أخرى، يدعم التقرير الافتراض العام أن السكان الساخطين الذين لا يشعرون أنهم جزء من شيء أكبر من أنفسهم يكونون أكثر احتمالاً أن يكون بينهم أعضاء يقعون فريسة لمندوبي الترويج الزائفين أمثال مسؤولي التجنيد في داعش، وقد كتبت شخصيًا وآخرون عن تلك الروابط لبعض الوقت، كما أشار بعض القادة الأوروبيين أيضًا إلى ذلك، مثل رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الذي صرح مرارًا وتكرارًا أن الإرهاب ليس في الحقيقة ناتجًا عن السياسات الخارجية الغربية، أو الفقر في الشرق الأوسط أو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأضاف: «وحتى لو حللنا كل أنواع تلك المشكلات سيظل لدينا ذلك الإرهاب».
الكثيرون الذين يؤمنون أن تلك الأسباب الثلاثة هي الدافع الرئيسي للانضمام لتنظيم داعش لا يزالون يدافعون عن ذلك، مثل عالم الاجتماع الاقتصادي توماس بيكيتي الذي ألف واحدًا من أكثر الكتب مبيعًا لعام 2013 بعنوان «عاصفة في القرن الحادي والعشرين» وحذر فيه من تزايد فجوة الثروة في الغرب، وألقى بلائمة ظهور تنظيم داعش على تلك العوامل الثلاثة في مقاله في لوموند بعد قليل من هجمات باريس، قائلاً: «النموذج العادل من التنمية الاجتماعية هو وحده الذي سوف يتغلب على الكراهية».
ولكن معدي تقرير المكتب الوطني كتبوا استنتاجات تناقض بصورة مباشرة مع التأكيدات الأخيرة لعالم الاقتصاد توماس بيكتي، التي تقول أن أعدادًا كبيرة من المقاتلين الأجانب أتت من مجتمعات تشهد مساواة وثروة مثل فنلندا وبلجيكا والسويد، مما يعارض تلك المزاعم».
وقد أخبرني بن ميليخ في رسالة إليكترونية قائلاً: «بينما تشتهر الولايات المتحدة بعدم المساواة في الدخل بصورة كبيرة، إلا أن ثقافة «وعاء الصهر» التي تروج للاستيعاب ربما تكون أكبر رادع ضد المتطرفين الذين ينضمون إلى داعش، وربما يوضح ذلك أيضًا لماذا أن الولايات المتحدة تحتل المرتبة 36 في عدد المقاتلين الأجانب في صفوف داعش، مقارنة بنسبة عدد سكانها المسلمين». ولكن بالنظر إلى تزايد الاتجاه نحو عدم الاستيعاب في سياسة الهجرة الحالية للولايات المتحدة، فإن هذا شيء لا يبشر بخير، فهل مناخ مثل المناخ الأوروبي سيكون جيد لمستقبلنا؟ إنه سؤال يستحق أن نسأله لأنفسنا اليوم قبل غدًا.
** **
- مايك جونزاليس/ خبير بمعهد دافيس للدراسات الدولية لتابع لمؤسسة هيرتدج الأمريكية.