د. عثمان عبدالعزيز الربيعة
كلمة (عيد) ليست مجرد اسم بل هي مصطلح يجمع بين الاسم وصفته. فالعيد تُسمّى به المناسبة التي يُحتفل بها أو بذكراها دوريّاً في أوقات ثابتة وتكون سارّة يشترك في الابتهاج بها جماعة من الناس صغيرة أو كبيرة، ولها قيمة كبيرة في الموروث الديني أو الثقافي أو التاريخي.
-- فنحن المسلمون نحتفل بعيدين دينيين فقط هما عيدا الفطر والأضحى، نؤدي في كلٍّ منهما صلاة العيد. ومعلوم أن عيد الفطر فرحة للمسلم بتمكّنه من أداء فريضة الصوم، ومكافأة من الله لتحمّله مشقته. وقد رخص الرسول عليه الصلاة والسلام للأحباش في المدينة بالرقص وضرب الدف واللعب بالرماح في المسجد يوم العيد، بل سمح لعائشة - رضي الله عنها - بمشاهدة ذلك. وفي هذا العيد تكون مظاهر الاحتفال في أقطار المسلمين حسب عاداتهم، ليس فقط بالأكل والشرب بل بتبادل الزيارات والتهاني وهدايا الأطفال والملابس الجديدة وإقامة أشكال الترفيه الجماعية، مثل ما هو متبع عندنا من الأهازيج والعرضات والألعاب النارية والاستعراضية. بعض هذه المظاهر أصيل في ثقافتنا، وبعضه حديث يناسب العصر.
-- وفي الأمم الأخرى فإن كثيراً من الأعياد ذات منبع ديني، ومنها:
-- في العالم المسيحي يحتفل الناس بعيد الفصح (وهو عيد القيامة عند مسيحيي الشرق، وعيد الشروق (easter) عند المسيحيّين في جزء من أوروبا وفي أمريكا الشمالية، أما في بلدان مسيحية أخرى في الغرب فيسمّى بأسماء مشتقة - مثل كلمة الفصح أيضاً - من الكلمة العبرية pesach أي الخروج التي تعني عند اليهود خروج موسى عليه السلام وقومه من مصر بعد أن نجّاه الله من سطوة فرعون). وترمز كل هذه المسمّيات بالمفهوم المسيحي إلى قيام المسيح عليه السلام من مكان صلبه حيّاً إلى السماء (وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ). والظاهرة الاحتفالية المشتركة عند الشعوب المسيحية هي التفنّن والتمتّع بتلوين البيض واللعب به. كما توجد مظاهر احتفال أخرى تختلف من شعب لآخر - إلى جانب الطقوس الكنسية. ويبدأ الاحتفال بشروق اليوم التالي لأول يوم أحد يأتي بعد تمام البدر في أول الربيع، ويسبق ذلك صيام يوم الجمعة وعشاء يوم الخميس، وهو ذكرى المائدة التي دعا عيسى ربه أن ينزلها على حواريّيه لتكون عيداً لهم (كما في سورة المائدة).
-- البوذية (ديانة غير سماوية) لها أعيادها التي تنبثق من تأليه بوذا - وأشهرها عيد (إسالا بيراهيرا= esala perahera) الذي يُحتفل به بشكل رئيسي في سيريلانكا بمدينة (كاندي) في شهري يوليه وأغسطس كل عام منذ القرن الثالث قبل الميلاد، حيث تمثلت طقوسه في دعاء الآلهة (الوثنية) أن تنزل المطر، ثمّ أضيف في القرن الرابع الميلادي تقديس واحد من أسنان معبودهم بوذا الذي تمّ جلبه لمدينة كاندي من الهند. وفي هذا العيد تُشكّل مسيرات منظمة في أربعة معابد (يوم لكل معبد) ثم تتجمع أمام معبد ضرس بوذا الرئيسي ويشارك فيها الكهنة والقادة وجمع من الناس وراقصون يؤدون رقصات متنوعة وحملة رماح وفيلة، وتختتم أيام العيد بالتبرّك بماء النهر.
-- وأعياد الشعوب كثيرة تختلف في أوقاتها ومدتها وأغراضها. فهناك إلى جانب المناسبات الدينية، أيضاً المناسبات الوطنية كاليوم الوطني للمملكة (23سبتمبر) وذكرى استقلال الجزائر (2يوليه) ويوم الاستقلال في الولايات المتحدة (4يوليه) ...الخ. وكذا المناسبات الموسمية السنوية، ومنها:
--- أعياد الحصاد، وتقام غالباً في الخريف، حيث يحتفل في العديد من الدول بموسم الحصاد شكراً لله على وفرة المحصول. وأكبرها يقام في الصين في منتصف الشهر القمري الواقع أواخر شهر سبتمبر. ففي العيد تجتمع العوائل والأصدقاء وتقدّم المأكولات وتُشعل المصابيح. وقد اتخذ هذا العيد منحًى مختلفاً في ولاية بافاريا في ألمانيا، فيسمّى (عيد أكتوبر) ويقدّم فيه استعراضات رقص وتشرب البيره بكميات ضخمة - بحيث صارت هي رمز الاحتفال.
---عيد الربيع:
- (شمّ النسيم) في مصر، وهو تقليد موروث منذ عهد الفراعنة كانت له آنذاك صفة التقديس لآلهتهم مع إظهار البهجة بمجيء الربيع، ولعله هو نفسه يوم الزينة الوارد ذكره في (سورة طه). ولكن مظاهره اليوم شعبية خالية من أيّ طقوس دينية، وتتمثّل في الخروج للمنتزهات وأكل أطعمة معينة كالسمك المملّح (الفسّيخ) والبصل والبيض المزخرف بأشكال ملوّنه. وعادة تلوين البيض انتقلت إلى عيد الخروج اليهودي ومنه إلى عيد الفصح المسيحيّ.
- عيد النيروز: الذي يُحتفل به في المناطق الإيرانية والكردية وما حولها عند حلول فصل الربيع (21 مارس) - وفيه قال البحتري:
(أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكاً
من الحسن حتى كاد أن يتكلما
وقد نبّه النيروز في غسق الدجى
أوائل ورد كنّ بالأمس نوّما)
وقد ابتدع الاحتفال بهذا العيد ملك الفرس جمشيد قبل ألفي سنة لتقديس أسطورة طوافة في سرير ذهبي على أرجاء مملكته في أول السنة الشمسية وحلول الربيع، فصار تقليداً شعبيا يحتفل به كل عام في بداية الربيع ولمدة أسبوعين، وتقدّم خلاله موائد الطعام المكونة من أصناف سبعة مختلفة من المأكولات، ويخرج الناس إلى الحدائق والميادين بثياب زاهية ويغنون الأهازيج الشعبية ويمارسون ألعاباً مائية وغيرها.، والأكراد يحتفلون فيه أيضاً بذكرى تحرّرهم من جور سلطان كان يقتل شبابهم طلباً للشفاء من مرضه.
هذه النماذج من الأعياد تختلف في كيفية منشئها وأغراضها ومظاهرها، ولكنها تشترك في خصائص منها:
= الشعور بالقيمة الكبيرة للمناسبة.
= بمشاركة الجموع الشعبية في الاحتفال تعمّ وتقوّى مشاعر البهجة، وتُلبّى الحاجة للترابط والتقارب والتجديد.
= أن الاحتفال بالمناسبة ذاتها (فرحة الصائم عند فطره- حلول فصل الربيع- موسم الحصاد) أقوى وأطول من الاحتفال بذكرى المناسبة (عيد الفصح، الأيام الوطنية..الخ).
وكل عام وأنتم بخير.