د.محمد بن عبدالرحمن البشر
أيها الشهر الكريم، نحن حزينون على فراقك، طامعون في أن تعود ونحن قادرون على لقائك، فأنت للأبدان دواء، وللأنفس شفاء، وللأرواح أمل ورجاء، مر كل يوم منك كساعة، وكل ساعة كدقيقة، صومك تقرب وسعادة، وقراءة القرآن بتدبر علم وعباده، فكل من مجاميع الخير أسديت، وكم من محاسب المكارم أهديت، فلا غرو أن يتلهف إلى لقائك المسلمون، ويحزن على فراقك المحبون، فيك ليلة خير من ألف شهر، من غنمها نال حظ عظيماً بمشيئة الله، وطاب عيشه في الدنيا والآخرة بحول الله.
الناس فيك تلهج بالدعاء، وتتخطى الغرور والكبرياء، نأخذ منك العبر، ونتعلم منك الصبر على القدر، لك في الأفئدة مرتبة عليا، وفي الأذهان محاسن جلى. فكم أطعم من جائع، وكم دين قد قضي عن مدين، وحرج رفع عن جبين، فأحسن المحسنون فيك فنالوا حظهم بإذن الوهاب، وسعد المحتاجون فيك إلى يوم المآب. لكي نحصل على أكبر فائدة من هذا الشهر الكريم فلا بد أن نصحح أخطاءنا التي اعتدنا على إتيانها، ولا تقف تلك الأخطاء عند العبادات المتعارف عليها رغم أهميتها، ولكن هناك عبادات ترتبط بسلوك المعاملات، والتعامل الإنساني، فليس من خلق المسلم الذي كان يرفع يديه صادقاً متضرعاً طالبا ربه المغفرة، أن يكذب والعياذ بالله، أو يخلف المواعيد، أو لا يخلص في عمله، أو أن لا يعمل جهده فيما أوكل عليه، مع عفة اليد والنفس.
لعل الفائدة من رمضان تكون أكبر لو أننا خرجنا مما زرع في بعضنا من عنصرية مقيتة بسبب اللون أو العرق، أو في ذلك الذي يرى في مساعدة ابن قبيلته أو منطقته أو مدينته أو قريته على حساب الآخر، أمر محمود، فذلك يتنافى مع تعاليم الإسلام الذي يأمر بالعدل والإخلاص وإعطاء كل ذي حق حقه.
نريد أن تكون الفائدة من رمضان أكبر بخدمة الإسلام من خلال صنع القدوة، وهو ذلك الإنسان الذي يتحلى بمكارم الأخلاق، ويتفانى في عمله، ويرى ذاته ويصحح أخطاءها قبل أن ينتظر من الآخر تصحيح أخطائهم.
في رمضان تكثر المواعظ، ولكن الاتعاظ لايكون بقدر تلك المواعظ، لا سيما أن جلها منصبة على العبادات والدعوات رغم أهميتها الفائقة. آمل ألا ينتهي رمضان وأبدأ بنفسي، لنعود إلى الحديث عن فلان وفلان بما يسئ، أو أن نبحث عن وسيلة لتحقيق غاية في غير وجه حق، أو أن نتهاون في عملنا.
رمضان على أبواب الفراق، وكثير من المسلمين يتقاتلون، طمعاً في السلطة، وباسم خدمة الشعب، وشعارهم الرفاه ولا هم لهم سوى النهب، مئات الألوف قتلت، وملايين شردت، وقلوب تحجرت، فأصبحت الأرض الإسلامية مسرحاً لتدخل الدول الأخرى، وميداناً لتجارب السلاح، وهم غير آبهين بالإصلاح، فكلما طالت الحرب طاب مقامهم، وشبعت أهواؤهم.
في نهاية الأمر، ستقطع البلاد، طمعاً للعرق والمذهب، لتبدأ حروب أخرى مستمرة، وكلما عنّ لدولة من الدول القادرة، حركت أعوانها، وبثت سمومها، فأوقدت الحرب حطبها، وأضرمت نارها، وأكتوى بها المسلمون في تلك البلاد. هذا الشهر الكريم، فرصة لبني الإسلام ليتغيروا إلى الأفضل، ويسموا بفكرهم إلى الأسمى والأكمل، وإلا ستظل أمة بعيدة عن سلم الإستقرار والحضارة، والأجدر بنا خير أمة أخرجت للناس أن نكون في مقدمة الشعوب.
عندما نأمر بالمعروف، نكون خير الأمم، والأمر بالمعروف لا يمكن حصره في التنبيه على الصلاة فحسب، رغم أهميتها الكبيرة والمطلقة، ولا يمكن حصره في الالتزام المؤقت ببعض مظاهر اللباس، لكنه يتعدى ذلك الى الأمر بالمعروف في الإخلاص والصدق والإمانة، أمانة العمل، والولاء، والمحبة، والاجتهاد في الإصلاح، والانشغال بما يفيد، واستثمار الوقت استثماراً يليق.
رمضان على أبواب الفراق، فهل تعلمنا منه أن الإسراف في المأكل لا يتفق مع تعاليم الإسلام، وأن صرف المال في غير أوجهه درجة من درجات الفساد، وأن التباهي بالمظاهر لا يتفق مع الإيمان، ولا مع العقل البشري الذي حباه الله الانسان ليميز به بين الغث والسمين.
رمضان على الأبواب، نسأل الله فيه القبول، والسعي المشكور، والعمل المبرور، وأن نختمه وقد غفر الله لنا ذنوبنا، وأحسن عاقبتنا وأصلح ذريتنا، وجعلنا على الحق سائرين، وفي سبيل الخير ساعين، وأن نتعظ من كل موعظة حسنة، والاّ نسمع المواعظ ونترك الاتعاظ، أدام الله على هذه البلاد وبلاد المسلمين الأمن والأمان.