أحمد بن عبدالرحمن الجبير
كل تجارب التحول الاقتصادي، بدأت أولا في بناء البنية التحتية، وبخاصة مختبرات التقنية والأعمال، والتدريب والتأهيل الفني، والمعاهد والعلوم التطبيقية، والأسواق المتخصصة، والجديدة وإيجاد موارد بشرية قادرة، ومؤهلة ومدربة، للتعامل مع المعطيات الجديدة، وما لدينا من بنية تحتية لا يتوافق وطموحات الرؤية السعودية 2030م، حتى في التطبيقات الخمسية لها.
فقطاع التقنية لا نملك فيه تأهيلا مركزا، بقدر ما هي خبرات متخصصة لبعض الأكاديميين وبظروف عمل مختلفة، وكذلك لايزال قطاع التدريب شكليا، وغير عملي، والمطلوب أن تكون الخطة الخمسية الأولى للتحول الوطني، هي بناء القواعد الرئيسة، والصلبة لهذه البنية، وتنويعها وتخصصها، وفرض شروط فنية ومهنية عالية الجودة عليها، حتى نحقق الأهداف المنشودة للرؤية السعودية 2030م.
وعليه، لا بد لنا من تفعيل دور مراكز التدريب والتأهيل وتطويرها ونشرها في كل انحاء المملكة لتصبح مسؤولة عن تدريب، وتأهيل ابناء وبنات الوطن لتقديم قيمة مضافة للاقتصاد الوطني في إطار متخصص، وعلى عدة مستويات، ابتداء من التأهيلية إلى القيادات التنفيذية، ويتضمن هذا الباب تحديثا، وتطويرا للعقلية السعودية، والانتقال من العقلية الاتكالية والاستهلاكية، إلى العقلية الإبداعية، والإنتاجية والتسويقية.
لقد أشار سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله - بأن شباب وشابات الوطن هم الأمل المنشود بعد الله، ولا عذر لهم بعد اليوم، فالتدريب بحد ذاته هو عملية تنموية مستدامة وتطوير للعقل، ووسيلة تهدف إلى إعطاء الفرصة الكاملة لشباب وشابات الوطن، لتأدية أعمالهم بكفاءة عالية، وتذليل المعوقات امامهم، وإشعال المنافسة بينهم من أجل المشاركة في تحقيق الرؤية السعودية 2030م.
ولعل الاستثمار في الإنسان من خلال تطويره، وتدريبه كان من أهم الأسباب التي جعلت الهند وتركيا وسنغافورة وماليزيا، وكوريا الجنوبية والصين تنمو اقتصاديا، وتلحق بالدول المتقدمة، حيث عملت هذه الدول على تنمية الموارد البشرية لديها، من خلال الاستثمار في التدريب وإنشاء المؤسسات التعليمية والعلمية والمهنية، التي تواكب عملية التنمية الاقتصادية، مما أدى إلى توفر عمالة متميزة، وإداريين وموظفين مؤهلين، يقودون المشاريع التنموية في بلادهم.
فكل دول العالم لديها مؤسسات، ومراكز تدريب وتخطيط وأبحاث ودراسات متخصصة لخدمة التنمية الشاملة، والمحافظة على الثروات، وصناعة الرؤية الاقتصادية المقبلة لبلادهم، وبما يساعد على تحقيق متطلبات الدولة وفقا للحاجات المستقبلية، بحيث يكون هذا التخطيط والتدريب شاملا للموارد المالية، والاقتصادية والصناعية، والإدارية والبشرية بما يلبي احتياجات الاقتصاد الجديد في ظل الإمكانات المتاحة.
فاليوم نحتاج إلى أن يكون لدينا مراكز تدريب متخصصة للمستقبل، لخلق البيئة الإدارية والاقتصادية والاستراتيجية الجيدة التي تدعم الوطن والمواطن، حيث إن التدريب المدروس يعتبر وسيلة جيدة لوضع خارطة طريق لكل هدف نصبو إليه من تنويع للاقتصاد، وخاصة عند الخصخصة، ودخول المستثمر الأجنبي إلى بلادنا، فيفترض من الشركات الأجنبية تأسيس مراكز تدريب لتدريب المواطنين على أعمالهم التي سوف يزاولونها في بلادنا.
ويفترض التركيز على الدول التي سبقتنا، للنظر في التوظيف الأمثل للموارد البشرية الوطنية والكفاءات الإدارية، وزيادة الاستثمار في العنصر الوطني، لتأهيل المواطنين وتدريبهم، وتطوير منظومة التشريعات الاقتصادية والرقابية، والحوكمة والشفافية، لأن ثقافة الاستهلاك هي آمر يحتاجه المواطن والمسؤول، وهذا يتطلب ترشيدا في الاستهلاك قبل أن نصدم بمتطلبات المستقبل وخاصة في زيادة عدد السكان، والبطالة وارتفاع الأسعار.
لقد آن الأوان لتأسيس مراكز تدريب متخصصة لتدريب كافة شباب وشابات الوطن، وعلى كافة الجهات والمؤسسات الحكومية والخاصة المساهمة في تدريب أبناء وبنات الوطن، لدعم النمو الاقتصادي الوطني، والعمل على تذليل العقبات، والاستفادة من التجارب العالمية، ودعم البرامج التي تعطي أفضل التوقعات المستقبلية، وإيجاد الحلول للمساعدة في اتخاذ القرار الاقتصادي السليم، ودعم الطموحات التنموية لضمان الأمن الاقتصادي للمملكة.
ونحن هنا نطالب بإنشاء (المركز الوطني للتخطيط الاقتصادي) والذي يشرف على توفير القواعد الصلبة، والأساسية للبدء بتنفيذ الرؤية السعودية 2030م، عبر مراكز للتدريب، ورسم خطوات المستقبل المعرفي، والاقتصادي لبلادنا للوصول إلى الرؤية المطلوبة، وتحقيق الأهداف الاستراتيجية، لذا لابد لنا من العمل معاَ من أجل صناعة جيل سعودي متعلم ومتدرب ومهني لدفع عجلة التنمية الاقتصادية، وتحقيق الرؤية السعودية 2030م.