محمد آل الشيخ
دائماً ما يسألني كثيرون : لماذا أنت ضد الإسلام السياسي؟
وإجابتي لهم : لأن الدين شيء، والسياسة الدنيوية شيء آخر؛ فقد فرّق الصحابة رضوان الله عليهم بين الشأنين، بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، واختلافهم في من يتولى الخلافة بعده. فمن الثابت أنه عليه الصلاة والسلام فوّض أبا بكر الصديق رضي الله عنه بأن يتولى الصلاة بالمسلمين أثناء مرضه الذي مات فيه، وحينما انتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى، اختار الصحابة أبا بكر، وقالوا: اختاره صلى الله عليه وسلم لديننا، أفلا نرضاه لدنيانا؛ أي أنّ المستقر في أذهانهم أنّ الدين شيء والدنيا شيء آخر؛ كما أنّ المروي عنه في حديث صحيح أنه نصّ على أنهم أعلم بأمور دنياهم، حينما نهاهم عن تأبير النخل، واتضح أنه كان مخطئاً فعاد عن نصيحته؛ كذلك كان يستشير في قضايا الدنيا، كما في الآية { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ}؛ أما في أمور الدين فيتلقى فيها أوامر ربانية، لا يملك أحد إلا الامتثال لها. كل تلك الأمثلة تؤكد أنّ (فصل) الدين وشؤونه عن الدنيا وشؤونها، كان من الأمور الثابتة المتداولة في زمن الرسول. أما ما يمارسه الرسول من الأمور المتعلقة بالشؤون الدنيوية، فإنه في الغالب يحاور ويستشير فيها أهل الاختصاص، ويطلب أن يشيروا عليه، كما في حادثة (حفر الخندق)، عندما أشار عليه سلمان الفارسي رضي الله عنه بأن يحفر خندقاً حول المدينة.
معنى ذلك أنّ الإسلام دين، أما السياسة، فهي شأن دنيوي، والرسول كان يمارس الشؤون السياسية، مثلما يمارسها أي زعيم سياسي؛ وأمور كهذه مرجعها المصلحة لا النص الديني ، ولا يحكمها إلا ما يتعلق بالقيم العامة، كالأخلاقيات والعدل وما تقتضيه المصلحة؛ وغني عن القول إنّ هذه القيم الأخلاقية ومقتضيات المصلحة، وإخضاع السياسة لها، لا يختص بها الإسلام، وإنما هو مطلب إنساني، يشارك الإسلام فيه كل الأمم الأخرى، حتى الأمم الوثنية.
لذلك يمكن القول وبعلمية، إنّ القول بأنّ ثمة (إسلام سياسي)، يقتصر على المسلمين دون غيرهم وتوضحه نصوصه الربانية، كبقية الفروض والواجبات الدينية الأخرى، هو استغلال للعواطف الدينية لتبرير التسلط السياسي، وخلط الدين بالدنيا، بينما الأمور السياسية لا علاقة لها بالثوابت الدينية، وإنما بالمصالح الدنيوية والمنافع التي يجب أن نخضعها للقيم الإنسانية، التي تتغير وتتبدل حسب العصور.
لذلك فإنّ أولئك الانتهازيين، الذين يرفعون مقولات وشعارات تتمحور حول ما يسمّى (الإسلام السياسي)، فهم يمارسون ذلك وهدفهم انتهازية محضة؛ والأمر ينطبق أيضاً على ما يسمّى (الاقتصاد الإسلامي) وما تفرع عنه من بدعة (البنوك الإسلامية)؛ وكذلك (الأدب الإسلامي)، وبقية الخزعبلات التي هي من البدع الدنيوية المنسوبة للدين؛ فالأصل أنّ مسائل الدنيا رهن بالمصلحة ومقتضياتها، وهي تتغير حسب تلمُّس متطلبات تحقيقها؛ وهذه يدركها صاحب التخصص حتى ولو كان غير مسلم؛ وليس بالضرورة عالم الدين؛ أي أنّ ما يسمّى (الإسلام السياسي) هو اختراع إنساني، وإلا فإنّ السياسي المسلم هو كأي سياسي آخر، يتلمّس المصلحة والمنفعة فينهج النهج الذي يحققها، حتى وإن اختلف مع ما انتهجه الرسول والخلفاء من بعده، لأنّ الأصل في الاتباع الدنيوي أن تتلمّس المصلحة وتتبعها، حتى وإن كان النهج إليها يختلف مع نهج الرسول والصحابة.
إلى اللقاء