تحدثنا حول العفو كقيمة من القيم الأخلاقية في السيرة النبوية العطرة، وكيف كان من أبرز المعالم التي ازدانت بها حياة النبي صلى الله عليه وسلم امتثالاً لأمر المولى جل وعلا في قوله: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} فكانت حياته عليه الصلاة والسلام مليئة بالمواقف الرائعة التي تبرز فيها هذه الصفة وآثارها الطيبة على الدعوة الإسلامية والمجتمع المسلم. فقد أسلم ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة بعدما أسرته خيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد عندما سأله عليه الصلاة والسلام: (ماذا عندك يا ثمامة؟) قال: عندي يا محمد خير، إن تقتل تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر وإن ترد المال فسل تعط منه ما شئت. فتركه النبي صلى الله عليه وسلم وعفا عنه فأسلم ثمامة وأصبح قوة للإسلام. وبعفوه صلى الله عليه وسلم عن الأعرابي الذي اخترط سيفه وهو نائم فاستيقظ وهو في يده صلتا فقال له: من يمنعك مني؟ فقال صلى الله عليه وسلم: الله، فدفع جبريل في صدره ووقع السيف من يده، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: من يمنعك مني؟ فقال: لا أحد، فعفا عنه عليه الصلاة والسلام، فلما ولى قال: أنت خير مني ثم أسلم واهتدى به خلق كثير من قومه.
ومن الآثار الإيجابية للعفو أن فيه حلاً لكثير مشكلات المجتمعات ومن نماذج ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ركب حماراً ليعود سعد بن عبادة في بني الحارث بن الخزرج، فمر بمجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين واليهود، فوقف يدعوهم، فخمر عبد الله بن أبي بن سلول -وكان بينهم- أنفه بردائه ثم قال: لا تغبروا علينا.. وقال كلاما قبيحاً؛ فرد عليه عبد الله بن رواحة؛ فاستب المسلمون والمشركون واليهود حتى هموا أن يتواثبوا. فلم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يخفضهم. ثم ركب دابته وعفا عنه. ففي هذا بيان ما كان عليه الصلاة والسلام من الحلم والصفح والصبر على الأذى في الله، وفيه مكانة العفو في تأليف القلوب وحل المشكلات الاجتماعية.
المشرف على كرسي المهندس عبد المحسن - الدريس للسيرة النبوية بجامعة الملك سعود