من خلال ممارستي في الترافع عن الغير اتضح لدي نشوء ثغرة لا مجال فيها للتفسير ولا محل لها في الأحكام ذلك هو (الحكم بمجرد الشبهة) مع عدم ثبوت الإدانة في الأحكام التعزيرية، وقد بحثت في هذه المسألة مبحثاً شرعياً وقانونياً فوجدت أن هذا مخالف لقواعد الإجراءات الجزائية وبعض أقوال أهل العلم في هذا الشأن.
والأصل في دعاوى التعزير عدم إتيان المتهم بموجب التعزير فلا ينتقل عن هذا الأصل إلا بدليل راجح، كما أن من القواعد المعتبرة في القضاء الجزائي أن الأحكام الجزائية يجب أن تبنى على الجزم واليقين لا على الظن والاحتمال وأن الأحكام الصادرة بالإدانة يجب أن تبنى على حجج قطعية الثبوت تفيد الجزم واليقين، وأهل العلم نصوا على أن ما قعد عن كونه بينة في باب التعزير - أي لم يصل إلى درجة اليقين أو غلبت الظن فهي شبهة لا يسوغ القضاء بها.
جاء في المغني لأبن قدامه (93/8) عن حديثه عن القضاء بالنكول في باب العقوبات حيث قال: (ولا يجوز أن يقضي فيه بالنكول الذي هو في نفسه شبهة لا يقضي به في شيء من الحدود ولا العقوبات، ولا ما عدا الأموال) انتهى كلامه، وحيث إن الشك لا يفسر إلا لصالح المتهم حرياً في حال عدم ثبوت الإدانة عدم ثبوت الجزاء، كما أن الأولى في عدم ثبوت الإدانة أن الشبهة وإن كانت قوية لا تقوم محل اليقين، (الذي هو عدم ثبوت الإدانة).
كما قال ابن القيم في الطرق الحكمية: ((العقوبة لا تسوغ إلا عند تحقق السبب الموجب ولا تسوغ بالشبهة بل سقوطها بالشبهة أقرب إلى قواعد الشريعة من ثبوتها بالشبهة))
وجاء في المادة الثالثة من نظام الإجراءات الجزائية على أنه ((لا يجوز توقيع عقوبة جزائية على أي شخص إلا بعد ثبوت إدانته في أمر محظور شرعا ونظاما))
وعلى ما تقدم فإن (التهمة القوية) التي تقوم في أساسها العام على غلبة الظن يجب أن يكون على غلبة الظن ما يؤيده، كما أن الأصل في الإنسان البراءة حتى تثبت إدانته، ولا شك في ما إن تقرر الأخذ بالحكم بالشبهة بمجرد توجيه التهمة بذلك يكون كل إنسان متهم ((مجرم)) وهذا لا يطابق قواعد الشريعة.
وبما أن ذلك حقيقة وموجود في صدر الأحكام القضائية الجنائية التعزيرية - فإن فيه ثمة عيب في القطاع العدلي وبه نحتاج إلى دراسة فقهية من قبل السلطة القضائية بإقراره أو إنكاره، حتى أن يتضح لنا الأمر جليا الأخذ به وقبوله أو نفيه والاعتراض عليه.
- قانوني