الرياض - خاص بـ«الجزيرة»:
حذر مأذون الأنكحة إمام وخطيب جامع الأميرة الجوهرة بنت سعود الكبير الشيخ سراج بن سعيد الزهراني من التفريط في تربية الأبناء أو التخلي عن المسؤولية تجاههم، فالأولاد ثمار قلوبنا، وعمار ظهورنا، وفلذات أكبادنا، وزينة حياتنا، قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا } وهم قرة الأعين، وبهجة الحياة، وأنس العيش، بهم يحلو العمر، وعليهم تعلق الآمال، وببركة تربيتهم يتجلب الرزق، وتنزل الرحمة، ويضاعف الأجر. قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: « إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له». ويقول عليه الصلاة والسلام: «مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ إِلا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ».
وأوضح الشيخ سراج الزهراني أن الغرب الكافر عجز عن إبعاد المسلمين عن دينهم بقوة السلاح، لكنه استولى على العقول، ولاسيما عقول الشباب، فبُثّت القنوات، وعُملت المخططات، وأُنشئت الدراسات، كل ذلك للإطاحة بشباب الإسلام، ويا للأسف فقد تحقق للكفار ما أرادوا، ونالوا من شبابنا ما نالوا، ولكن لم يكن ليتم إلا بمعاونة وسائل الإعلام المسلمة، ومشاركة أولياء جهلة، تنصلوا عن التربية، فأين المسؤولية والمسؤولون؟ وأين الأمانة والمؤتمنون؟ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ}، وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: ألا كلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته، فالإمام الذي على الناس راعٍ وهو مسئول عن رعيته، والرجل راعٍ على أهل بيته وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية على أهل بيت زوجها وولده وهي مسئولة عنهم، ألا فكلكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته».
تفريط بالمسؤولية
ومضى الزهراني في حديثه لـ «الجزيرة» قائلاً: وكم من المسؤولين من فرطوا في مسؤوليتهم، وأضاعوا أماناتهم، وأهملوا أولادهم ومن تحت ولايتهم، {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} ، فالتفريط في أمانة رعاية الشباب والناشئة، خيانة عظمى، ومصيبة كبرى، وحتماً ستحط رحالها بالأمة، فأحداث التفجيرات، وما سبقها وتبعها من كوراث وانحرافات، ومواجع وفاجعات، كان من أهم أسبابها الإهمال في تربية الشباب، وعدم العناية بالناشئة من الفتيان والفتيات، فبعضهم غلا في دينه فوقع ضحية لمنهج الخوارج وتكفير المسلمين وعلى رأسهم الولاة ومن رأى السمع والطاعة لهم بالمعروف، حيث خرجوا يقتلون المسلمين ويروعون الآمنين، لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة، والبعض من شبابنا وبناتنا وقعوا ضحية التشبه بالغرب وتتبع خطواتهم في زيغهم وانحرافهم فانزالقوا في براثن الفضائيات والرذيلة، وسقطوا في مستنقعات العار والفضيحة، ووقعوا في بؤر الإسفاف، ومراتع الاستخفاف، وما تلكم التجمعات الفاشلة حول المحلات التجارية، وعند أركان البيوت، والهروب من المدارس، والتواجد في الأزقة وأماكن قضاء الحاجة، والتعرض للمسلمين وأذيتهم، إلا دليل على أن هناك خللاً يجب سده، وخرقاً يجب رقعه، فلا بد من رأب الصدع، وترميم جدار التربية، ألا فاتقوا الله أيها الآباء، فأنتم عن ربكم موقوفون، وعن ذريتكم مسؤولون، قال تعالى: {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ}، وقال تعالى:{ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}.
تطاير الشرر
وأكد الشيخ سراج الزهراني أن الوضع تفاقم والأمر تعاظم، والشرر تطاير، عندما تخلى الآباء عن مسؤولية التربية الصحيحة، وأهملوا الإلمام بأسس العناية السليمة، فليست التربية عنفا كُلُّها، ولا رخوا جُلُّها، بل: شدة في غير عنف، ولين في غير ضعف، هكذا هي التربية، أما أن يعتقد أب، أو تظن أم، أن التربية تكبيل بالسلاسل، وضرب بالحديد والمناشير، وسجن في غرفة مظلمة مدلهمة، فيخرج لنا جيل تسيل دماؤه، وتنتفخ أوداجه، يخاف من خياله، ويهرب من ظله، ويغضب ويثور لأتفه الأسباب، فيكن العداء لأمته، والبغضاء لوطنه، فليس ذلك بمطلوب ولا مرغوب، مشيراً إلى أن شريعة الإسلام لم تأت بمثل هذا العنف والجبروت، والهمجية والعنجهية، بل الإسلام دين الرحمة والرأفة، ولاسيما الرحمة ببني الإنسان. أخرج أبوداود من حديث عروة بن الزبير أن هشام بن حكيم بن حزام، وجد رجلاً وهو على حمص، يُشمس ناساً من القبط في أداء الجزية - يحبسهم في الشمس - فقال ما هذا؟ سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بقول: (إن الله يعذب الذي يعذبون الناس في الدنيا)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما يرحم الله من عباده الرحماء) (متفق عليه)، فعلى الآباء العناية والرعاية بفلذات الأكباد، ولا يقودهم الغضب لظلم أبنائكم والإساءة إليهم، ثم تطلبون صلاحهم وطاعتهم، فذلكم النقيض وضده، ولا يلتقي النقيضان، وربما كان هناك آباء فقدوا زمام التربية، فانحل أبناؤهم، وضاع أولادهم، فلم ينصاعوا لأوامرهم، وهذا أمر مشاهد وملموس، فمن ضَعُفَ أمام أبنائِه، فلا يتركهم هملاً بل يخبر عنهم الجهات المختصة حتى يكفوا شرهم عن الناس، والدولة الرشيدة رعاها الله، اهتمت بالآباء منذ نعومة أظفارهم، فلن تعجز في هذا المضمار من ردع سفلة الشباب الضائع، وسفهاء الطبائع، قال ابن القيم رحمه الله: (من أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى، فقد أساء إليه غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم).
وطالب الشيخ سراج الزهراني بضرورة رعاية الشباب والناشئة حتى يكونوا نواة صالحة لدينهم ومجتمعهم، ولبنة بناء لعقيدتهم وأمتهم مذكراً الآباء وصية الله في الأولاد، تذكر الموقف يوم المعاد: {يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ}حيث إن الآباء مسؤولون عن انحراف الشباب، ومحاسبون عن تربيتهم أمام رب الأرباب.