د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
تواترت الأخبار عن نواتج إجراء رقابي فيه مُزدَجر؛ عندما اتخذت وزارة الصحة قرارا بإغلاق أحد المستشفيات الكبيرة في مدينة الرياض لخلل في حيازة رخص التشغيل للمستشفى وللممارسين فيه، وفي جوانب السلامة أيضا ونعلم أن الرخصة الرسمية التي تمنحها المرجعيات للقطاعات الخدمية الخاصة ما هي إلا بوابات ثقة بين المنشأة والمستفيدين وإلا فذلك «الغرر» بعينه,
وقد تخيلتُ أن وزير الصحة قد تمثل فعل عنترة بن شداد مع شيء من التصرف لزوم واقع اليوم؛ عندما برّر ابن شداد تفوقه في معاركه قائلا: [إذا لقيت القوم عمدتُ إلى الضعيف فيهم فصعقته صعقة يطير لها قلب الشجاع].
وليس مقامي هنا مقام تقويمي لذلك المستشفى فالتقويم له أربابه، وعلى هرم وزارة الصحة اليوم وزير أقام للتجارة أوتادها حينما كان في سدتها؛ وكلا القطاعين يلزمهما إدراك وعزم وحزم، ومازلنا نسمع الأصوات حول إغلاق المستشفى رغم ارتفاع الهدير، ولكني أتساءل هل سكان هذه الوزارة الموسومة بالصحة والعافية لهم نفس الخريطة البشرية أم لا ؟! مما يستلزم من «الوزير الاستثناء» أن يصنع مرجعية جديدة للأحكام التقويمية على المنشآت الصحية حيث العلاقة هنا مباشرة جدا، والنتائج فورية بين تقصير تلك المنشآت وبين سقوط الأرواح وضحايا الأخطاء الطبية وطول انتظار المواعيد, وعموما فإغلاق المستشفى لمخالفته متطلبات النظام علامة صحية جديدة، ولأن وزارة الصحة «كهل ودود» قبِلت تجارب شتى فالمؤشرات تومض في الأفق أن الصحة مع مفاتيح معالي الدكتور الربيعة وإغلاقاته ستكون بخير.
وفي البدايات تتركز النظرات والعبرات ويصنع المجتمع هيكلا اجتماعيا لذلك القطاع الخدمي ومن يقوم عليه، لأن الجدل حوله سوف يُبعثر الجهود إذا لم يكن داخل تصور يفهمه العامة قبل الخاصة وقد قطف لنا معالي الوزير «طيبا» عند حديثه حول مبادرات التحول الوطني في وزارته فقال «سنرتقي بالخدمة الصحية لتحقيق رؤية المواطن بتوفير رعاية راقية تفي بمتطلباته»..
والرؤية السعودية 2030 ترصف الطرق أمام بلادنا للاستمرار حتى تصل إلى الأشواط الأخيرة, ومن خلال ما طُرح من مبادرات لوزارة الصحة فإنها بإذن الله سوف تدخل الطوق المطلوب وجل المبادرات علاج ووقاية ودعم ومساندة، وقد ولدت في مصنع تخطيط استراتيجي عميق، وبُنيت على الواقع المنظور وما سبقه, وعلى تصور واع للمستقبل ونستشرف في ثنايا تلك المبادرات بناء استراتيجية وطنية للتثقيف الصحي، وربط المراكز الصحية الأولية في الأحياء بأندية متطورة للياقة البدنية والحمية والتأهيل الصحي، واستحداث الفرق الصحية الميدانية في تلك المراكز للوصول إلى الأسر داخل البيوت لدعم الوعي الصحي، ويكون تقييم تلك المراكز الصحية في الأحياء بمقدار النجاح في إيجاد الحي الصحي، ورفع شعار الوقاية أولا قبل البحث عن السرير في المستشفيات، ومن الأولويات التي أحسبها ليست غائبة عن معالي الوزير التوجه لإنشاء المستشفيات التخصصية للأمراض الوبائية, والأمراض المنتشرة والمستعصية وتفعيل دور البحوث الصيدلانية في دعم المنتج الدوائي, وتوطين صناعة الأدوية بأيدي وطنية خاصة أن الجامعات تزخر بالكفاءات الوطنية في المجال؛ فوزارة الصحة حتما هي المحضن الذي يجب أن تحتضن العلم التطبيقي في مجال الدواء.
ومن متطلبات دعم القطاع الصحي وفق الرؤية الجديدة رفع سقف أعداد المقبولين في كليات الطب والخدمات الطبية المساندة وذلك بالتنسيق مع الجامعات، ولعلي لا أطرح جديدا عندما أقول إن واقع كثير من المنشآت الصحية الآن يلزمه تطوير في آليات العمل من خلال تسليمها للخصخصة الفورية من خلال بوابات حميمة بصحة المواطن.
من شعر د. غازي القصيبي عندما كان وزيرا للصحة مخاطبا الشيخ عبدالله بن خميس رحمهما الله.
أقمتَ بدوحك النائي تغني
وأشقى بالكهارب «والمشافي»
فمن «مستوصف» أضحى ركاما
لمستشفى يضرّ ولا يُعافي