إبراهيم عبدالله العمار
في القرن التاسع عشر.. أحبَّ تشارلز غوديير المطاط. هذا الشاب ابن 32 سنة كانت تجارته في الخردوات والأدوات قد كسدت وأفلست، وغَمَرته الديون، ووقتها قرأ في الأخبار عن مادة مطاطية جديدة مقاومة للماء ظهرت في البرازيل، وشده هذا ورأى أن لهذا الشيء مستقبلاً واعداً. لكن المشكلة أن تشارلز بدأ يتجه اهتمامه للمطاط في الوقت الذي بدأ العالم يبتعد عنه، فآنذاك كان المطاط له عيب كبير وهو أنه يتصلب في الشتاء ويذوب في الحر القوي، وكان عليه إقبال في فترة قصيرة ثم فقد الناس رغبتهم فيه لعيوبه، وهذا ما أراد تشارلز تغييره، فبدأ التجريب وظل على هذا سنيناً، يخلط المطاط مع كل مادة ممكنة ليجعله أقوى، ولما نفد ماله رهن حلية زوجته وأكمل التجريب، وما هو إلا قليل حتى اشتدت الديون عليه وافتقرت عائلته، وظل يدخل ويخرج السجن بسبب الديون، وكان من عوزه أن ابنه الصغير مات بسبب سوء التغذية ولم يجد الأب له تابوتاً. رغم هذا.. ظل يثابر مع المطاط.
عام 1839م أي بعد 5 سنين من التجريب والاختبار والصبر لم يكن في يدي تشارلز أي شيء، حتى أتى يوم من الأيام لما كان يعمل على قطعة مطاط مخلوطة بالرصاص والكبريت وسقطت منه على الموقد، ولما التقطها تفاجأ أن القطعة المتفحمة زادت صلابة بدلاً من أن تذوب، وظلت محتفظة ببعض مطاطيتها. لقد وجدها تشارلز: طريقة لتقوية المطاط عُرِفت باسم «الفلكنة»، وما هو إلا قليل حتى صار المطاط جزءًا أساسياً من حياتنا، والفضل للمثابرة الهوسية لتشارلز!
هل اغتنى تشارلز من اختراعه؟ لا، لسوء حظه! وضع في مفكرته اختراعات كثيرة ممكنة للمطاط، كأن يُستخدم في صنع المناظير المقربة، وعلاقات الملابس، والعملة الورقية، والبيانو، وغير ذلك، لكن لم يفكر أن يجعله في صنع الإطارات. المثابرة هامة، لكن بدون رؤية تهديها الطريق فقد تضيع، وهذا ما حصل مع تشارلز الذي لم يعرف كيف يروّج هذا الاختراع العظيم.
شيء مؤسف، فقد كان يستحق الفضل والعرفان لقاء هذا الاختراع، وهناك الكثير من المخترعين ممن نالوا الشهرة والغنى من صناعاتهم، غير أن تشارلز لم يكن منهم، و فاته أن التسويق في أحيان كثيرة أهم من الاختراع نفسه، فهناك منتجات تافهة لكن رائجة بسبب الدعايات المكثفة والذكية، أما تشارلز المسكين فقد باع حقوق الملكية ومات فقيراً عليه مئتي ألف دولار من الديون.