محمد آل الشيخ
لا زلت أتذكر الحفلات الغنائية التي كانت منتشرة في السبعينيات من القرن الماضي، والتي كانت تقيمها الأندية الرياضية، وكذلك بعض الصحف، مثل هذه الصحيفة التي أكتب فيها، جريدة الجزيرة، وقد كان يحضرها تقريباً كل أطياف المجتمع وعندما تنتهي فعاليات هذه الحفلات ينصرفون في هدوء وسلام؛ وقتها لا تعرف الغالبية العظمى من السعوديين (السفر الهروبي) إلى الخارج بحثاً عن البهجة والترفيه والابتسامة التي تفتقر إليها بلادهم، ولا التشدد والتزمت والانغلاق الاجتماعي الذي كبلنا بأغلاله وقيوده الثقيلة لمدة ثلاثة عقود مضت، تفشى فيها مع التزمت والانغلاق الإرهاب والدموية والبحث عن مواطن النزاعات ليشدّ شبابنا رحالهم إليها؛ هذه حقيقة إحصائية لا يمكن لنا إلا أن نسلم بها، ونقرأها قراءة موضوعية وعلمية، مؤداها أنّ ثمة علاقة إحصائية طردية بين التشدد والانغلاق وبين الإرهاب والعنف؛ فكلما زاد التزمت وانتشر بين أوساط المجتمعات كلما زاد الإرهاب والعنف وازدهرت ثقافته بمظاهرها المختلفة والعكس صحيح.
أحد دعاة الانغلاق، طرح في تويتر (استفتاءً) عن حلقات (سلفي) يريد التحريض عليه؛ يقول في استفتائه (هل تعتقد أن محتوى هذا النوع من الكوميديا: (الخيار الأول : يفكك ويشتت اللحمة الوطنية؟.. الخيار الثاني: يكرس ويشد اللحمة الوطنية).. وقد شارك في الاستفتاء قرابة الأربعين ألفاً، فجاءت النتيجة صادمة لهذا الداعية؛ إذ كانت المحصلة تؤيد (سلفي)، وأنه يُكرس ويشد اللحمة الوطنية. فباءت آماله وأوهامه بالفشل. هذا الاستفتاء لو طرح العام الماضي لربما كانت النتيجة معاكسة تماماً، غير أن وعي المجتمع وانفتاحه، أفشل محاولات هذا الداعية لشحن المجتمع على هذا البرنامج (الفني) التوعوي، الذي ينقد بسخرية في حلقاته الرمضانية أجندات هؤلاء المتزمتين الحركيين، ويحاول بكل جرأة وشجاعة أن يفضح مخططاتهم الانغلاقية القميئة؛ ما يؤكد أن الشعب السعودي بالفعل قد لفظ التزمت والمتزمتين، وانفتح على عالم الكوميديا والفنون بشتى أنواعها.
ونحن هذه الأيام على مشارف عيد الفطر السعيد، الذي يأتي كأول عيد بعد أن أعلن سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان مبادرته التاريخية (2030)؛ وكما هو معروف ومعلن فقد تضمنت هذه الرؤية اهتماماً بالفنون والثقافة، وتوفير مناخ فني وترفيهي جاذب لأبناء الوطن لأن يبقوا في أوطانهم، ويتمتعوا بفنونهم، وفعالياتهم الترفيهية؛ والأغلبية القصوى من السعوديين قد تلقوا مضامين هذه الرؤية الحضارية المفعمة بكل ما هو جميل بالترحيب، والأمل في مستقبل زاهر، تكتنفه البهجة والسرور والفن والموسيقى، وفي المقابل يتم إقصاء أولئك الذين صادروا منا البسمة ومعها الاحتفال بالفنون والموسيقى والفعاليات المسرحية؛ الذي كلفنا غيابها خلال الثلاثة عقود الماضية الشيء الكثير، خاصة على المستوى الإنساني والمادي والحضاري .
كلنا شوق وأمل أن تكتنف احتفالاتنا بهذا العيد حفلات موسيقية، يشارك فيها رموز الطرب والفنون، تجعل من رحلوا خارج البلاد في هذه الإجازة، طلباً للتمتع بالفعاليات الفنية هناك، يعضون أصابع الندم؛ فكل المؤشرات تؤكد أن نفوذ المتشددين المنغلقين في بلادنا يلفظ آخر أنفاسه,
إلى اللقاء