«الجزيرة» - أحمد المغلوث:
عندما كنا أطفالاً صغاراً كنا نفرح برمضان أكثر من الكبار لسبب بسيط أننا نستمتع فيه بأكل مأكولات لا تتوفر لنا طوال أيام العام إلا في مناسبات اجتماعية أو أعياد. لكن في رمضان فالسفرة عادة عامرة بمختلف أنواع الأطعمة والحلويات.
ومن الحلويات التي كانت والدتي -رحمها الله- تتفنن في عملها حلوى (الزلابية) والتي تأخذ شكل الدوائر المتشابكة وكم كانت سعادتي كبيرة عندما أجلس بجوارها أتصنع مساعدتها، وأنا بين فترة وأخرى أمد يدي وأتناول زلابية واحدة. وكم كانت لذيذة وشهية وهي ساخنة وعسل السكر المشبع بالزعفران يقطر منها.
أيامها كان عمري سبع سنوات أو أكثر، وكان المطبخ عبارة عن موقد يأخذ زاوية بجوار غرفة (الجصة) مخزن التمر والمواد الغذائية. إعداد (الزلابية) يبدأ من بعد صلاة العصر.. وبحكم أن الموقد في العادة لا يمكن الطبخ عليه إلا صنف واحد من الأطعمة. فطلب والدي -رحمه الله- من أحد البنائين عمل موقد من الطين والجص عبارة عن فتحة واسعة يوضع بداخلها الحطب أو جذوع النخيل أو الكرب وفوقها وضعت أسياخ من الحديد بطول متر وبعرض نصف متر مما أتاح للوالدة أو مساعدتها من النساء اللواتي كن يعملن ايامها في خدمة البيوت وضع أكثر من قدر على الموقد.. فهذا مغلى لعمل الزلابية وذاك قدر للجريش وثالث للمرق إلخ. المهم أن (الزلابية) موضوعنا لهذه الإطلالة يتم عملها بالتناوب يوماً بعد يوم مع (اللقيمات) فكلاهما يعتبر من الأطباق الحلوة. ومكونات الزلابية حسب ذوق صاحبة البيت. هناك من يعملها بدون الزعفران فتكون ليمونية الشكل. شفافة اللون. والبعض يفضل أن تكون بالزعفران وإذا لم يوجد لظروف البيت يوضع قليل من الكركم. أو مواد ملونة كما هو متوفر في هذه الأيام.
واختلف المؤرخون حول الموطن الأصلي لهذه الحلوى الرمضانية. والتي باتت حلوى دائمة لدى محلات الحلويات، فهي طبق دائم في بوفيهات الحفلات ومناسبات الأفراح والأعياد.. فهناك من يؤكد أنها حلوى جاءت من الهند عندما عاد بعض العرب الذين شاركوا في الفتوحات الإسلامية إلى بلادهم في العراق والشام والجزيرة العربية.
وبالتالي نقلوها معهم بعد انتقال جيوش الفتح الإسلامي إلى مصر وبعدها القيروان، ومن ثم إلى بلاد المغرب. حيث تعرف الزلابية هناك بحلوى الشبكية.. ومع مرور الأيام انتقلت الزلابية إلى العديد من دول العالم ومن تركيا والجزائر انتقلت إلى أوروبا ومن المغرب إلى إسبانيا والبرتغال ووصلت إلى أمريكا، حيث باتت تستهلك بصورة لافتة، وفي السنوات الأخيرة ومع انتشار كتب الطبخ وبرامج الطعام وموائد وأطباق الأكل في الفضائيات والسوشل ميديا تطورت (الزلابية) لتضاف إليها بعض النكهات وحتى الألوان لكنها في الأساس تعتمد على نفس الطريقة التقليدية القديمة والمتوارثة من جيل إلى جيل.. وفي الأسواق الشعبية في الأحساء تباع الزلابية بالكيلو وتختلف أسعارها حسب النوعية وما تشتمل عليه من مواد، ولكن تتراوح الأسعار من 5 إلى 10 ريالات للكيلو.