كان العفو معلماً بارزاً في شخصية النبي صلى الله عليه وسلم حيث اتصف به بجلاء في مختلف المواقف، والعفو كما عرفه ابن القيم: إسقاط حقك جوداً وكرماً مع قدرتك على الانتقام فتؤثر الترك رغبة في الإحسان ومكارم الأخلاق.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحب العفو ويميل إليه، وقد أثر عنه قوله: (ما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا) ومعاملته صلى الله عليه وسلم لأسارى المشركين في غزوة بدر يدل على ميله إلى العفو أكثر من ميله إلى العقوبة والانتقام، وهذا لا يمنع من معاقبته عليه الصلاة والسلام من تحتمت عقوبته وكان الإصلاح في ذلك.
ومن النماذج على عفوه عليه الصلاة والسلام عفوه عن أهل مكة بعد الفتح لما دخلها ظافراً منتصراً، فخاف أهلها من انتقام المسلمين لأنهم عذبوهم وقهروهم وأخرجوهم من ديارهم وصادروا أموالهم. لكنه صلى الله عليه وسلم عفا عنهم مع كل ذلك. عفا عنهم وهم الذين ناصبوه العداء وآذوه في دينه ووضعوا سلا الجزور على ظهره وهو ساجد يصلي وحصروه في الشعب وأخرجوه من بلده وتآمروا على قتله، فمن غيره يقدر على مثل هذا العفو والصفح؟!
وإن الناظر في سيرته العطرة ليدرك أن عفوه لا يجارى فقد عفا عن ثمامة بن أثال سيد اليمامة، وعن المرأة اليهودية التي وضعت السم في الشاة له، وعن الأعرابي الذي أراد قتله بسيفه وهو نائم.
ولقد كان لعفوه صلى الله عليه وسلم الأثر الطيب على دعوته وكان سبباً لدخول فئام من البشر الإسلام، فحري بالمسلمين وخاصة الدعاة والعلماء أن يتصفوا بهذا الخلق النبوي الفضيل فمن عفا وأصلح فأجره على الله.
- المشرف على كرسي المهندس عبد المحسن الدريس للسيرة النبوية بجامعة الملك سعود