رحلة طويلة من الإخلاص والعمل الشاق لخدمة الوطن والمواطن، تلك التي عاشها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - يحفظه الله- منذ أن كان في التاسعة عشرة من عمره، بدأها نائبًا لأمير منطقة الرياض في 11 رجب 1373هـ، الموافق 16 مارس 1954م، ليصبح بعد عام واحد حاكمًا لها وأميرًا عليها بمرتبة وزير.
تحولت منطقة الرياض في عهده إلى مركز للإشعاع الحضاري، ونموذج للحداثة في كل شيء، أصبحت لؤلؤة على جبين بلد الحرمين الشريفين، وجوهرة يشع نورها على جميع دول العالم.
مشاق العمل السياسي والعسكري والإنساني، خاضها -يحفظه الله- بشخصية الفارس الأمين مع جميع ملوك وأمراء المملكة منذ تأسيسها منتهجًا طريق آبائه وإخوانه.. بنى معهم المملكة، واكتسب الخبرة، وارتشف الشجاعة والحنكة من سلسلة التجارب التي عبر منها وعبرت منه.
أرسى قواعد العمل الخيري داخل المملكة وخارجها، كان ولا يزال نصيرًا لدينه وأمته، أبهج شعبه بصنعه وصنيعه، رسم الابتسامة على وجوه المواطنين والمقيمين بقرارات العفو عن السجناء والمكرمات الملكية.
تولى الملك سلمان بن عبد العزيز الحكم في فترة تاريخية صعبة، تواجه فيها المنطقة حافة الانهيار؛ ليضاعف القدر من مهامه مستفيدًا من خبراته اللامحدودة ومكانة المملكة التي ترسخت عبر تاريخها.
فهو - يحفظه الله - رمز وعنوان كبير للاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي على جميع المستويات الإقليمية والعالمية، ذو شخصية حازمة، تبدت في قراراته السريعة منذ توليه الحكم - يحفظه الله - ليجنب بلاده القيل والقال.
واستكمالاً لرحلته في خدمة وطنه ومواطنيه تشهد البلاد في عهده الزاهر تحولات مفصلية تاريخية، من شأنها تغيير شكل ومضمون مستقبل المملكة اقتصاديًّا واجتماعيًّا وتنمويًّا، مع إنهاء عقود طويلة من «الإدمان على النفط» كمصدر وحيد للإيرادات بتنويع مصادر الدخل الوطني، ودعم اقتصاد المعرفة، ورفع كفاءة اقتصاد الوطن، ورفاهية المواطن، وذلك مع إطلاق «رؤية السعودية 2030»، وفي القلب منها برنامج التحول الوطني 2020، التي أعدها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة ولي ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان.
تتضمن الرؤية 3 تقسيمات رئيسية، هي: اقتصاد مزدهر، مجتمع حيوي ووطن طموح. وتشكل مشروعًا نهضويًّا شاملاً، يحظى بالمتابعة والاهتمام المحلي والإقليمي والعالمي، ويصفها البعض بأنها أكبر خطة تحول اقتصادي وطني قيد التنفيذ على مستوى العالم، ووصفها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء رئيس المجلس الاقتصادي والتنمية بأنها «ستكون الخطة التنموية الأكثر جرأة والأكثر شمولاً بتاريخ المملكة».
من خلال هذه الرؤية تتلمس المملكة مستقبلها بمجموعة أهداف، أبرزها خفض معدل البطالة من 11.6 في المئة إلى 7 في المئة، زيادة نسبة تملك السعوديين لسكنهم الخاص من 47 في المئة إلى 52 في المئة بحلول عام 2020، رفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من 22 في المئة حاليًا إلى 30 في المئة، زيادة نسبة مساهمة القطاع الخاص من الناتج المحلي إلى 65 في المئة، إضافة إلى زيادة نسبة الاستثمار الأجنبي من 3.8 في المئة حاليًا إلى 5.7 في المئة %، والانتقال من المركز الـ25 في مؤشر التنافسية العالمي إلى أحد المراكز الـ10 الأولى.
كذلك تسعى المملكة إلى زيادة الإيرادات الحكومية غير النفطية من 163 مليار ريال حاليًا إلى تريليون ريال.
وفيما يتعلق بالمجتمع تستهدف الرؤية مجتمعًا حيويًّا، بنيانه متين، عبر زيادة متوسط العمر المتوقع من 74 إلى 80 عامًا، والارتقاء بمؤشر رأس المال الاجتماعي من المرتبة الـ26.
كذلك تسعى المملكة ضمن رؤيتها إلى الوصول من المركز الـ36 إلى المراكز الـ5 الأولى في مؤشر الحكومات الإلكترونية، والقفز من المركز الـ80 إلى المركز الـ20 في مؤشر فاعلية الحكومة. كما تستهدف زيادة الطاقة الاستيعابية لاستقبال ضيوف الرحمن المعتمرين من 8 ملايين إلى 30 مليون معتمر. بالتأكيد هذه الرؤية تستحق أن توصف بأنها الأكبر والأكثر طموحًا في العالم، كما سيقف التاريخ طويلاً أمام اسم سلمان بن عبد العزيز قبل أن يدون إنجازاته مفتخرًا بحروف من ذهب. حفظه الله، وأعانه، وحفظ بلادنا من كل مكروه وسوء.