يُقال عن المجادل إنَّه يفنّد كُلَّ شيء دون إثبات أيّ شيء بغرض جعل المسألة مثارة للجدل، فهناك أمور محسومة ونتائجها واضحة وضوح الشمس، ولا تحتاج إلى براهين أو أقاويل أو مناقشة ثانية حتى يُعاد النظر فيها، ومع ذلك تجد من يجادل ويسيطر عليه التعصب والغضب بلا أي داعٍ، وهو يعلم جيداً أنه ليس على صواب، ولن يستفيد أحد من محاولاته الفاشلة، لكن السلبية الدائمة التي يعيش عليها بعض الناس تكشف لنا مرض هذا العصر ألا وهو الجدال الذي يؤدي في النهاية إلى الخصومة والكراهية، خصوصاً عندما تُثار الأقاويل حول الأمور والقضايا الهامة التي يتابعها الرأي العام، وللأسف يستغلها بعض الجهلاء لإشباع غرائزهم من الشهرة والتميُّز عن الآخرين، فمن أسلوب المجادل وطرق معالجته للقضايا المحسومة، يمكنك التعرف بوضوح على شخصيته الحقيقية وعن أهدافه المكشوفة التي غالباً ما يستخدم فيها حقائق وهمية من مصادر غير موثوقة، ليبدأ الجدال بعد ذلك يأخذ طريقه إلى الفوضى وضياع الكثير من الوقت عندما يحاول كل شخص أن يثبت صحة ما يقول وتفوقه على الآخر، وأن رأيه هو الصواب ولا يحتمل الخطأ فتتسع الفجوة وتزداد حدة النقاش دون الوصول إلى حلول مُرضية، ولقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث رواه أبي أمامة رضي الله عنه: «ما ضلَّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أُوتوا الجدل». ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} (سورة الزخرف: 58) فإن الجدال غالباً ما يُوصل إلى الخصومة بين أفراد المجتمع الواحد ليكون سبباً من أسباب التفكك الأسري والاجتماعي المؤدي إلى تنامي الحقد والكراهية بين الناس.