لبنى الخميس
اعترف بأني لم أكن مغرمة بالقهوة حتى آخر سنة لي في الجامعة، واليوم هي طقس جميل انتظره وينتظره الملايين ليحسنوا مزاجهم ويرفعوا من إنتاجيتهم، حيث أصبحت جزءًا لذيذًا من يومياتنا وعنصرًا أساسيًا في ثقافتنا ما جعل أشهر مطربي هذا القرن والقرن الماضي يتغنون بها، وأفصح الشعراء يتغزلون بمزاجها.. فقد صدحت من قبل سميرة توفيق بصوتها البدوي: «يلا صبوا هالقهوة وزيدوها هيل» وأمر دغيم الظلماوي ابن أخيه كليب في قصيدته الشهيرة قائلاً: «يا كليب شب النار يا كليب شبه.. عليك شبه والحطب لك يجابي.. وعلي أنا يا كليب هيله وحبه.. وعليك تقليط الدلال العذابي». وبصوتها الملائكي غنت فيروز «في قهوة على المفرق في موقد وفي نار.. كنا أنا وحبيبي نفرشها بالأسرار» ونقل عبدالحليم حافظ قصيدة نزار قباني «قارئة الفنجان» إلى مستوى آخر من الشهرة والخلود، ما يظهر تغلغل القهوة في ثقافتنا العربية سواء في صحراء الجزيرة العربية، أو أزقة الشام العريقة، أو مقاهي القاهرة التي تضج بالأدب والفن.
القهوة ليست مشروبًا داكنًا فحسب، بل طقس شهي وكوب ذو سلطة ونفوذ، فإذا زرت مجلسًا أو خيمة بدوية ورفضت أن تتناول ضيافتهم من القهوة، فهذا دليل صريح ورسالة بليغة أنك مستاء وغاضب، كما أن فنجانها يستخدم لقراءة الطالع، وهي خرافة ابتدعها الأتراك باحثين عن فك شفرات المستقبل، وتناقلتها مجالس النساء كممارسة تنسج حولها موضوعات مثيرة، وهي أيضًا دعوة صريحة «للنميمة»، إِذ تكونت لدينا هذه الصورة من الجارات في المسلسلات حين يدعون بعضهم لتناول القهوة الصباحية وفي ثقافتنا «قهوة الضحيّة» لتداول آخر أخبار نساء الحي والبت في آخر قصصهم!
ومع تصاعد شعبية القهوة في مقرات العمل، وتناثر أكوابها على مكاتب الموظفين، قد يتساءل البعض ما هي أكثر المهن شربًا للقهوة؟ للإجابة على هذا السؤال أجرت شركة «كارير بيلدرز» وسلسلة المقاهي الشهيرة «دانكن دونتس» دراسة على 4700 موظف فتصدرت المهن التالية الخمس مراتب الأولى. حيث حل العاملون في إدارة المشافي الصحية في المرتبة الخامسة، تلاهم الكتاب والمحررون في المرتبة الرابعة، ومن ثم العاملون في إدارة التعليم، أما المسوقون والمتخصصون في العلاقات العامة فجاءوا في المرتبة الثانية.. وإذا كنت تتساءل بشغف مثلي عن المهنة التي تربعت على عرش إدمان القهوة وظفرت بشرف السبق والصدارة، فالإجابة هي العلماء ومتخصصو المختبرات. الدراسة أيضًا أظهرت أن الموظفين في بعض المجالات يفضلون القهوة بشكل مختلف عن بقية القطاعات: فالقضاة والمحامون يفضلونها سوداء ومرة، والكتاب والمحريون يحبونها مع نكهة، أما العاملون في الموارد البشرية فيشربونها مع كريم وسكر.
أخيرًا.. اليوم السعوديون متهمون بأنهم أصحاب مزاج وقريبًا سينضمون لقائمة الدول الأكثر شربًا للقهوة، التي تتصدرها الدول الاسكندنافية. لكن أكثر مدينة مشهورة بمقاهيها وعشق سكانها للقهوة ليست باريس أو ميلان أو إحدى مدن الدول الاسكندنافية، بل فيينا التي من عشقها للقهوة أسست جامعة متخصصة بالقهوة وفنون تحضيرها وأتكيت تقديمها وشربها، تمنح شهادات عليا في هذا المجال ويقف خلفها عدد من المقاهي العريقة التي يهمها الحفاظ على سمعة القهوة النمساوية.. فتخيل أن تسأل عن تخصصك فتجيب «دراسات قهوجية متقدمة» أو ماجستير في فن اللاتيه!.