د. محمد عبدالله العوين
سعت القيادة - وفقها الله - منذ بداية السبعينات الهجرية إلى تأسيس بنية صحية تحتية تتطور مع الزمن مترافقة مع تأسيس البنيات التعليمية والاقتصادية والخدماتية الأخرى، وقد تحقق بالفعل قدركبير مما خطط له، وتكونت لدينا مراكز طبية جيدة؛ إلا أنها لم تستطع تلبية متطلبات الطفرة السكانية وسرعة وتيرة النمو الاقتصادي والاجتماعي وتزامن مع ذلك ضعف في زيادة عدد المنشآت الطبية في بعض الفترات مصحوبا بأداء إداري سيئ، مما جعل الوضع الصحي في مجمله رغم الإنفاق السخي عليه عبئا على الدولة ودافعا إلى البحث له عن حلول بتغيير سريع للوزراء وتكثيف خدمات القطاعات الصحية الحكومية الأخرى ودعم القطاع الطبي الخاص؛ لسد الخلل وتحمل بعض العبء.
ومن هنا يأتي التحدي أمام الوزير توفيق الربيعة؛ فقد عجز عشرون وزيرا قبله عن تحقيق الأهداف الكبرى للدولة في الجانب الصحي وأمامه الآن مسؤولية ضخمة لتحقيق رؤية السعودية 2030م الطموحة التي تنادي بصورة واضحة إلى مجتمع حيوي يتمتع بصحة جيدة وعمر أطول، من خلال التوعية والطب الوقائي والتخطيط السليم لمحاربة الأمراض المزمنة كالسكري والضغط، وتحسين وتسريع مستوى الخدمة الطبية من خلال القطاع الصحي الخاص وتوسيع قاعدة التأمين الطبي لتشمل أكبر نسبة من المواطنين المحتاجين، وسيكون دور القطاع الطبي العام ووزارة الصحة الإدارة والإشراف والتنسيق ووضع الاستراتيجيات.
إن المهمة الصحية ثقيلة جدا على الوزير توفيق الربيعة الذي أحسنت القيادة فيه الظن لحل معضلة الصحة، وهو أهل لذلك؛ ولكنه أمام قطاع صحي عام مترهل ويعاني من مشكلات إدارية وتنظيمية وفنية عديدة، كما يعاني من نقص في الكوادر الطبية المميزة التي اجتذب عددا كبيرا منها القطاع الطبي الخاص بمنحها رواتب ضخمة، أوأن بعضهم يؤدون عملهم الطبي في القطاع العام كيفما اتفق، للجمع بين الفرصتين العمليتين في العام والخاص؛ مما أثر على جودة الأداء بسبب الإنهاك والتشتت في عمل الطبيب.
وأمام الوزير الربيعة الطموح الكبير لتطبيق التأمين الطبي الذي وقفت أمام تحقيقه في الحقب الوزارية الماضية عقبات عديدة، بعضها حق وبعضها الآخر ناتج عن عجز القيادات الوزارية في اجتراح الحلول ووضع الخطة المناسبة لتطبيق التأمين الطبي للمواطنين ولو على مراحل؛ بحيث يشمل جميع المستحقين للتأمين مثلا ولو بعد خمس سنوات، وهي فترة كافية لإنشاء القطاع الخاص عشرات المستشفيات التي في وسعها أن تتولى تقديم خدمات التأمين الطبي للمواطنين.
إن مما روجه وزراء صحة سابقون عجز المنشآت الصحية القائمة عن الوفاء بتقديم خدمات التأمين الصحي للمواطنين بالصورة المثالية المرجوة.
ولعل معالي الوزير يدفع تلك الرؤية السلبية المتشائمة بالبدء عمليا في الأخذ بتوصيات رؤية المملكة 2030م وعدم تأجيل التأمين الطبي وتذليل العقبات التي تعوق عن الإسراع في بناء وتجهيز المنشآت الطبية النموذجية الخاصة على أعلى المستويات وفي التخصصات كافة.
وأمام معاليه تجارب دولية عديدة في تطبيق صور التأمين الطبي؛ لعل أجودها التجربة الفرنسية، وأسوأها التجربة الأمريكية.
وعلينا أن نبدأ من حيث انتهى الآخرون وجربوا ووصلوا إلى الأمثل والأنضج.
ولئن تجاوزنا بتجربة الابتعاث إلى دول عالمية كبرى عقبة كؤودا كانت ستقف أمام رغبة أبنائنا في توفير فرص التعليم الجامعي والدراسات العليا؛ للنقص الفادح في عدد الجامعات؛ فإننا أيضا لا نريد أن يقف النقص في المنشآت الطبية الجيدة العامة والخاصة دافعا لبعض المواطنين كي يبحثوا عن العلاج في الدول المجاورة كالأردن أو غيره.
إن بلد الخير قادر على توفير الخدمة الطبية الممتازة لأبنائه دون أن يحتاجوا إلى الرحيل إلى الخارج إذا بدأنا بالفعل في تطبيق التأمين الطبي الشامل وإنشاء أدواته التي تقدم خدماته الطبية بأفضل وأحسن مستوى خدمة ودون استغلال من الداخل أو الخارج.
فهل سيكتب في تاريخك الشخصي يا معالي الوزير أنك حققت ما عجز عنه الآخرون؟!