لقد فجعت الرياض العاصمة الحبيبة بحادثة مؤلمة تجسدت فيها كل مشاعر الحزن والألم، حيث لم يقتصر الحزن على اصحاب الحادثة بل شملت جميع المواطنين في هذا البلد الآمن، حيث كانت المشاعر أليمة هزت القلوب وادمعت العيون، حيث شهد حي الحمراء بمدينة الرياض خلال ساعات الفجر الأولى من صباح يوم الجمعة جريمة إرهابية بشعة تمثلت في قتل الأم والأب وإصابة خطيرة للشقيق الأصغر على يد ابنيهما التوأمين.
أي قلب وأي قوة جعلت هؤلاء يقدمون على هذا العمل البشع المثير للألم والحزن، ليت شعري يستطيع أن يعبر عما يكنه، ليت نثري ينثر آهاته على أبناء بلدي وتلك الأفكار التي مسحت كل معاني الإنسانية من قلوبهم، أي قلوب انعدمت فيها معاني العطف والرحمة، أي عيون رأت أباً وأماً تعبا وربيا وبذلا كل ما في وسعهما لابنائهما، سهرا من اجلهم، من أجل راحتهم، أي دين يجعلهم يتصرفون بذلك، ديننا ولله الحمد حث على الرحمة والعطف على الوالدين، ديننا دين التعامل والأسلوب الحسن، ديننا دين الوسطية {وجَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} دين لا غلو ولا إرهاب فيه، الدين بريء من هؤلاء الشواذ وأفكارهم.
عجز عقلي أن يصدق ذلك ولكن ماذا أقول؟ لا شك بأن سلامة النظر الذهني والتدبر العقلي للوصول إلى النتائج الصحيحة بلا غلو ولا تفريط مطلب أساسي في هذه الحياة وكذلك الأمن والعيش بطمأنينة ورخاء دون خوف في ظل التمسك بتعاليم الإسلام مطلب حيوي لا يستغني عنه إنسان ولا ذي روح من الكائنات، ولأهمية الأمن دعا به إبراهيم عليه السلام لمكة أفضل البقاع:
قال تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ إبراهيم: 35. ولما للأمن من أثر في الحياة تعيّن على الأمة برمتها أن تتضامن في حراسته.
وهو مطلب الشعوب كافة بلا استثناء، ويشتد الأمر خاصة في المجتمعات المسلمة، التي إذا آمنت أمنت، وإذا أمنت نمت؛ فانبثق عنها أمن وإيمان، إذ لا أمن بلا إيمان، ولا نماء بلا ضمانات واقعية ضد ما يعكر الصفو في أجواء الحياة اليومية، وخاصة في ظل التحديات والأفكار التي نسمعها ونشاهدها، حيث يعتبر الفكر البشري ركيزة هامة وأساسية في حياة الشعوب على مر العصور ومقياساً لتقدم الأمم وحضارتها، والأمن الفكري يحتل مكانة مهمة وعظيمة، وهو من أولويات المجتمع الذي تتكاتف وتتآزر جهود أجهزته الحكومية والمجتمعية لتحقيق مفهوم الأمن الفكري تجنباً لتشتت الشعور الوطني أو تغلغل التيارات الفكرية المنحرفة، وبذلك تكون الحاجة إلى تحقيق الأمن الفكري هي حاجة ماسة لتحقيق الأمن والاستقرار الاجتماعي. لذلك لابد من العناية بالنشء وتربيتهم تربية صحيحة وسليمة، لا شك أن اهتمام دولتنا الحبيبة بالأسرة، كونها أساساً لوحدة المجتمع شيء جميل، والأجمل من ذلك تحلي الأسرة بالوحدة والاستقرار، حيث يكون أثر ذلك قوياً وواضحًا وأساسيًا لرفعة المجتمع السعودي، ولا يخفى على الجميع ما للأسرة من دور كبير في جودة التربية والتعليم، ولا أحد ينكر دور الأسرة القوي في بناء شخصية التلميذ وتهذيب أخلاقه، بل إنها المحصن الأول والمؤثر القوي على معتقداته وأفكاره التي تجول بخاطره.. وقديماً قال الشاعر العربي:
بأبه اقتدى عدي في الكرم
ومن يشابه أبه فما ظلم
لذلك لابد من الاهتمام بالأبناء ومراقبتهم وما التغيرات التي تحدث عليهم فالأبناء هم فلذة الأكباد، وهم أمانة في أعناق الآباء. ومن الأمانات التي لا يجوز خيانتها رعاية الأبناء، فالآباء يُسألون عن رعايتهم لأبنائهم إن أحسنوا أو أساؤوا التربية ونحن نؤكد جميعاً بأن التربية السليمة للأبناء تخلق جيلاً واعياً ومستقبلاً أفضل للأبناء، وكل أسرة تطمح أن تربي أبناءها تربية ممتازة وصالحة، ومما يساعد على تربيتهم وتنشئتهم بشكل سليم هو أن تكون للمربي أهداف واقعية غير خيالية تتماشى وخصوصيات مراحل النمو واحتياجاتها كتنمية خصال الخير فيه وتوجيهه لبناء شخصية سوية جسمياً ونفسياً وروحياً وفكرياً، وخاصة أن زماننا هذا زمن الانفتاح والمتغيرات، ومع كثرة التقنيات والفضائيات وكثرة الثقافات والشبهات أصبح الشباب يعيشون اليوم في مفترق طرق وتحت تأثير هذه المتغيرات، ولا شك أنها تسبب لهم كثيرًا من المشكلات التربوية والأخلاقية.
لقد أحدثت الفضائيات والشبكة العنكبوتية (الإنترنت) تغيرًا مهمًا في المجتمعات بما قدمته من وسائل للاتصالات، جعلت العالم ينساب بعضه على بعض، فلا حدود ولا قيود تقف في وجه انتقال المعلومات، والتربية بحكم عملها وطبيعتها أكثر جوانب المجتمع عرضة للتغير؛ وبناء على ذلك فالمتغيرات الحادة التي ينطوي عليها عصرُ المعلومات وعصر الانفتاح، ستحدث تغيرًا كبيرًا في منظومة التربية؛ مناهجها وأساليبها وأثرها, ولذا أصبح من المهم مراجعة منظومة التربية لتتوافق مع الأثر الذي ستؤديه في زمن الانفتاح، لذلك يجب معرفة ما يجول بأفكار أبنائنا حتى نتحاشى ما سوف يحدث في المستقبل، لذلك لابد من غرس حب الوطن والولاء بأنفس الانباء وتذكيرهم دائماً بالنعمة التي نعيشها نعمة الأمن والأمان والطمأنينة والراحة، وكذلك التذكير بوجودهم ببلاد حباها الله بتحكيم الشريعة، بلد ترعى قبلة المسلمين وتستقبل الجميع في مواسم الخير، حق لأجيالنا الفخر والاعتزاز بها انها بلد السلام المملكة العربية السعودية.
وأختم مقالي بدعوة بأن يحفظ بلادنا ويديم امننا وان يحمي ابناءنا وبناتنا من الأفكار الضالة ونسعد بأجيال نفتخر ونعتز بها محبة لوطنها وولاة أمرها. وأكرر دائما (دمت يا وطني شامخاً).