رقية سليمان الهويريني
في عام 1974م صدر مرسوم ملكي بإنشاء صندوق التنمية العقارية لإقراض الأفراد والمؤسسات لإقامة المساكن الحديثة والمجمعات السكنية في مختلف أنحاء المملكة، حيث كانت المساكن -آنذاك- مبنية من الطين أو الإسمنت غير المسلح كما يقطن بعض المواطنين في البادية.
وقد شملت خدمات الصندوق حوالي 3976 مدينة وقرية وهجرة في مختلف مناطق المملكة. وبدأ الصندوق برأس مال قدره 250 مليون ريال، ثم تضاعف عدة مرات ليصبح رأس ماله حتى نهاية السنة المالية 2013م حوالي 183 مليار ريال، ويُعَد من أكبر مؤسسات التمويل العقاري بالعالم!
وجرت عدة تحولات في مسيرة الصندوق، حيث بدأ بمنح المواطنين في المدن300 ألف ريال وفي القرى والمراكز200 ألف ريال، مما جعل بعضهم يستغلها في غير بناء المسكن! ثم اشترط الصندوق وجود أرض داخل النطاق العمراني ورهنها وعدم التصرف بها إلا لبناء الوحدة السكنية، وأوقف صرف المبلغ كاملاً وجعله عبر أربع دفعات بعد التأكد من البناء والانتهاء من كل مرحلة، وبدلاً من الصرف حال التقديم، صار يصل الانتظار لأكثر من خمس عشرة سنة! وتم في عهد الملك عبد الله - رحمه الله - رفع قيمة القرض حتى وصل لخمسمائة ألف ريال لكل مدن المملكة وقراها، وأعفى المتوفين من تسديد القروض.
ويُعَد الصندوق من أفضل الصناديق الناجحة ويتميز عنها بشمولية نشاطه وتغطيته لجميع مناطق المملكة، ويتصف بالمساواة والعدالة بإجراءاته، فيتم الصرف بناءً على شرط تملك الأرض وتاريخ التقديم بدقة متناهية دون محاباة. ولا شك أنه ساهم بتغيير وجه المملكة العمراني، حيث ظهرت أحياء نموذجية حضارية، ونعِمَ المواطن بسكن يتلاءم مع مرحلة اقتصادية واجتماعية معينة. إلا أن الصندوق ربما تسبب من خلال الإغداق والصرف بتأصيل شكل عمراني غير مألوف اجتماعياً يتصف بالرفاهية المفرطة والبذخ، من حيث المساحة ونوعية المواد المستخدمة في الأساسات، والمبالغة في التسليح والإكسسوارات، دون الحاجة الماسة لها، فضلاً عن الارتدادات العريضة واتساع مقدمة المنزل ووجود المسطحات الخضراء التي تستنزف المياه وتستهلك الجهد والمال، مقابل تجاهل استخدام العزل الحراري واحتياطات السلامة.
والآن، يبدو أنّ مهمة الصندوق العقاري قد انتهت، وتحولت المسؤولية للمواطن الذي أصبح حريصاً على إيجاد سكن حضاري، بما يلائم إمكانياته المادية والأحوال المناخية، وبات خيار الشقق مناسباً للظروف الحالية وصار مقبولاً اجتماعياً بعد أن كان مرفوضاً بتاتاً، وهي فرصة للتخلص من بذخ ورفاهية نرجو أنها ولّت دون رجعة!