لم يُدْرك القدماء المعنى الحقيقي للخيال الذي كان لديهم يعني الوهم في دلالته على مفارقة الواقع، ومجافاة الحقيقة، ووفقاً ( لمنطق المحاكاة اليوناني يستمد الخيال عناصره الأولية من الحياة نفسها، ثم يعود إلى الطبيعة، فإذا ما خرج الخيال عن هذه الحدود انقلب إلى الوهم).
وقد عُرّف الوهم بأنّه (سلسلة من الصور التي لا تخضع في نفسها لقانون عامّ أو تجربة مشتركة، أمّا الخيال فهو القوّة الموحدة المركبة) وللخيال قدرته التي تطلق العنان للفكر في تجلية صوره، واتخاذها دلالات مغايرة ومعانٍ ليست لها في الواقع، ففيه يظهر (التناغم والتوافق بين العناصر المتباعدة والمتناثرة داخل التجربة الأدبية) وفي هذا الخيال تتّبدى فوارق الكتابة الأدبية وفق تصنيف الأجناس الأدبّية التي يأتي الشعر في مقدّمتها في لجوئه إلى الخيال واعتماده عليه كعنصر من العناصر التي تتجلّى فيها الشعرية فضاءً لا يحدّ وأفقاً متّسعَ الدلالة ولوناً تتبّدى على مشواره ألوان قوس قزح في تشعبات الطيف المتناثر عبر إرهاصات الخيال وهو يتزين برؤى تحلّق على أجنحة السحر وترفرف من أشرعة الغمام.
وحقيقة القول: إن العرب لم يعنوا بالخيال ونظروا إليه من خلال فكرة المحاكاة اليونانية لدى أرسطو بوصفها مجرد تقليد خارجي للواقع، مما قيّد انطلاقة الخيال وجعله أسير تلك النظرة.
ولا يبتعد الأمر كثيراً فيما يتعلق بمصطلح التخيل فقد وُضع هذا المصطلح تأثراً بفلسفة أرسطو التي اعتمدت المنطق، لذلك لم يروا صعوبةً في عد الشعر مؤلفاً من مقدمات تخيليّة، وأن الشعر لا يخاطب الفكر بل يتجه إلى المخيلة، فينبه صور المحسوسات المختزنة فيها.
ولأنّ المخيلة عند أرسطو تواجه قوة الإحساس كان التخيل يعتمد على المحسوسات، كما نظروا إلى التخييل على أنه العلّة الصورية للشعر وإلى المعاني على أنها علته الماديّة.
ومن هنا نفهم اعتماد العرب في أشعارهم على ((خيال قريب لا يتعدّى حدود الحواس، ويحتفل باللفظ والموسيقا احتفالاً كبيراً ويركز الاهتمام على وضوح المعنى، والتنفير من الغموض واللبس، مثلما يعتمد العاطفة التي لا تعقيد فيها ولا تركيب)).
ومما تقدم يمكننا القول لقد اهتّم النقاد العرب القدامى وفق هذا الفهم للخيال والتخييل بالصدق والمنطق في الشعر، ولاسيما عندما تناولوا فيه موضوعات الحكمة والمثل.
- طامي دغيليب