فوزية الجار الله
سكنتني هيلة لبضعة أيام ولازالت، أكاد أرسم طيفها، صوتها، لفتاتها، إشارات يديها، كم كانت موجعة مفجعة تلك الجريمة؟! جريمة التوأم في قتل والدتهما..
لم يحدث إطلاقاً في تاريخ الإسلام أن حرض ديننا على قتل الأبوين أو أحدهما بل جعلهما طريقاً للجنة {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} وفي موقع آخر {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا}، ولم يقل اقتلهما وأبعدهما عن طريقك. لكن الشابين المراهقين كانا مندفعين بحكم سن المراهقة وبسبب الأفكار المتوحشة والمسمومة التي يحملانها، كان الطريق الأسلم بالنسبة لهما قتل أهم أفراد العائلة الذين يمكن أن يشكلوا عقبة في طريقهما، ولم يعلما بأنه من السهل اكتشافهما والقبض عليهما حين تصل الأمور إلى الجريمة. الحادثة بأكملها كارثة يتصدرها تلك الروح الطاهرة التي ذهبت إلى رحمة الله، هيلة المجني عليها في هذا السياق تحمل رمزاً شرساً، هي ترمز للخراب والفساد، في النية والإرادة والهدف، تمثل الانحراف والخطأ الفاحش الفاضح، الانحراف عن الطريق الصحيح إلى الطريق الأكثر اعوجاجاً وانحداراً والذي يؤدي مباشرة إلى الهاوية المعتمة، هاوية سحيقة هي خسارة الدين والدنيا بدءاً وانتهاء.
كم كانت الجريمة مفجعة، لم تبرح تفاصيلها خيالي طوال الأيام التي أعقبت خبر الجريمة الذي كان صادماً للمجتمع بكافة شرائحه. كلما رأيت امرأة نجدية ترتدي عباءتها السوداء المحتشمة قلت هذه تحمل شيئاً من ملامحها، ابتسامتها، صوتها المنخفض خاصة حين يكون ثمة رجال بالجوار، دعواتها، همساتها، رائحة البخور الذي يغمر ثيابها، تخيلت أجزاء من سيرة حياتها، آلام المخاض وهي بانتظار التوأم القادم، إشراقة وجهها الذي امتزجت بدموع الفرح لقدومهما إلى هذه الحياة، خوفها وهلعها عليهما كلما تأخرا عن المنزل أو لمست في أحدهما حزناً أو تعباً، ثم.. يكبران، يشبا عن الطوق، يعتزلان العالم، ثم.. تكون نهايتها على أيديهما. رحم الله السيدة هيلة العريني رحمة واسعة، وجبر الله مصاب هذه العائلة الكريمة التي هي منا وفينا، هذه العائلة بأفرادها هم بعض هذا المجتمع بكل ما يعتريه من تغيرات ومفاجآت.
* * *
* حين تقرؤون هذه السطور يكون عيد الفطر المبارك قد أظلنا بأجنحته، هنا يأتي دورنا في صناعة الفرح، فنحن لو نظرنا إلى يوم العيد بشكل مجرد سنجد أنه مجرد زمن مشابه لسواه، لكننا نحن من يمنحه القيمة والمعنى حين نحياه لحظة بلحظة، بدءاً بصلاة الفجر ومن ثم صلاة العيد ومشاركة العائلة والأحبة سعادتهم به، عيدنا يأتي مرتين في العام، وهو مناسبة دينية واجتماعية عظيمة جديرة بأن نحياها ونمنحها الوقت والاهتمام.