هدى بنت فهد المعجل
يقول مصطفى صادق الرافعي: «جاء يوم العيد، يوم الخروج من الزمن إلى زمن وحده لا يستمر أكثر من يوم.. زمن قصير.. ظريف.. ضاحك، تفرضه الأديان على الناس؛ ليكون لهم بين الحين والحين يوما طبيعيا في هذه الحياة التي انتقلت عن طبيعتها». يوم العيد يوم اغتسال الروح والبال من كل متاعب الأيام قبله، وتوعكات الشهور قبله. يوم العيد يوم ألهب أفئدة الأدباء فكتبوا بعيداً عن كل سلبيات سابقة. الشاعر العراقي معروف الرصافي رغم مسحة الأسى في قصائده إلا أنها لم تحجب عنه فرادة العيد، تميزه المستثنى في الروح والنفس قبل الواقع:
صباح به يكسو الغنيُّ وليده
ثياباً لها يبكي اليتيمِ المضَّيع
صباح به تغدو الحلائل بالحُلى
وترفضُّ من عين الأرامل أدمع
ألا ليت يوم العيد لا كان إنه
يجدد للمحزون حزناً فيجزع
يرينا سروراً بين حزن وإنما
به الحزن جدٌّ والسرور تصنُّع
مسحة الحزن في الأبيات لم تعتم ملامح الفرح يوم العيد، ولم تقف دون تغزّل الشعراء بعيد الفطر تحديداً عندما ربط ابن المعتز بين عيد الفطر وبين منظر الهلال، وشبه شكله بمركب من فضة في بحر من الظلمة التي تظهر كحمولة من عنبر مما يزيد ضوؤه بهاء ووضوحا، وذلك كناية عن رقته وشدة الظلام المحيط به:
أهلاً بفِطْرٍ قد أنافَ هلالُه
فالآنَ اغْدُ على الصِّحاب وبَكِّرِ
وانظرْ إليه كزورقٍ من فِضَّةٍ
قد أثقلتْهُ حمولةٌ من عَنْبَرِ
ويشبه ابن الروميّ انقضاء هلال الصوم وبياضه بحاجب شيخ أبيض وشاب من طول عمره وهرمه، فالعلاقة بين الهلال وحاجب الشيخ يجمعها بالإضافة إلى البياض الشديد الشكل المقوس، فشكله يشبه القوس تماما مثل الحاجب، كما نجد في الأغنية الشعبية نفس الإشارة بالقول في سياق السؤال الاستنكاري ويعني بصيغة المفرد هل هو حاجب أم هلال يظهر من بعيد..
والمقصود في سياق النسيب أن الأمر لا يتعلق بالإشادة بالبياض، لعدم مناسبته المقام ودلالته عى هروب الشباب وهو أمر غير محمود في مقام المدح أو الغزل، وإنما بالدقة في رسم الشكل المقوس تماما..
إن ولادة هلال العيد من جديد وظهوره ينهي الصوم ويأذن للناس باستئناف حياتهم الطبيعية في الأكل والشرب:
ولما انقضى شهر الصيام بفضله
كحاجبِ شيخٍ شابَ من طُولِ عُمْرِه
تجلَّى هلالُ العيدِ من جانبِ الغربِ
يشيرُ لنا بالرمز للأكْلِ والشُّرْبِ
حقيقة العيد لا تنحصر في الجديد من اللباس واللذيذ من الأكل، للعيد معنى آخر نبه إليه: أبو إسحاق الألبيري
ما عيدك الفخم إلا يوم يغفر لك
لا أن تجرَّ به مستكبراً حللك
كم من جديدِ ثيابٍ دينه خلق
تكاد تلعنه الأقطار حيث سلك
ومن مرقع أطمار وذي ورع
بكت عليه السما والأرض حين هلك
ومسك صباح العيد رائية البحتري:
بالبر صمت وأنت أفضل صائم
وبسنة الله الرضية تفطر
فانعم بعيد الفطر عيداً إنه
يوم أغر من الزمان مشهّر