سام الغُباري
- أنا بعيدٌ، وصنعاء أقرب إلى عيون المقاتلين الظامئين لعشقها وسحرها ودُورِها، ألف خمسمائة كيلو متر، هي الوحدة القياسية الفاصلة بين مدينتي ولجوئي، غير أنها تتناقص من مأرب، وفرضة نهم وقد صارت على مرمى حجر من أيدي رجال الجيش الوطني الأحرار الذين تجمعوا من كل زاوية وركن ورفضوا جور الحوثيين واستبدادهم، وقفوا مع الدولة التي فقدت أركانها وغادرت فجأة بعد انقلاب مروع وصادم.
- يخشى «حمزة بسباس» مفاجأة العيد وهو يطلق تحذيراته من بوابة مطار صنعاء لميليشياتهم الإجرامية، وذلك لقبه الذي ورثه عن جده الذي تخفى وراء لقب حار مُبتعداً عن مسمى (الحوثي) بعد أن أرهقت ثورة 26 سبتمبر المجيدة كل اسم يتعالى على اليمنيين، وينسب لنفسه ميزات حصرية من أموال الفلاحين الطيبين وقوتهم وأرزاقهم.
- خمسون عاماً من الحرية التي تسامحت مع كهنوت السلاليين الغاشمين، فتصابوا إلى الجمهورية وتسلقوا على أكتافنا، ثم وثبوا لقتلنا وإيذائنا، قتلوا علماءنا وفجّروا مساجدنا، واختطفوا دولتنا وديمقراطيتنا، نهبوا مدخرات البنوك والعوائل، أثروا بفحش على حساب حياتنا الدنيا، ولا يزالون يقتلون ويتوعدون نساء مقاتليهم من قبائل اليمن بالمتعة من بعدهم، ويسجنون أحرار الرجال في معتقلات رهيبة، منهم الصحفيون والسياسيون والمعارضون والمؤمنون، لم يبق شيء في اليمن الكبير لا يئن من هؤلاء البرابرة العُصاة.
- كل يوم يمر علينا بعيداً عن صنعاء تزداد قسوتنا، وتتعاظم رغبتنا بالقتال، ويزداد أحرارنا بالآلاف والعشرات وهم اليوم يقفون على مشارف صنعاء بانتظار مفاجأة تُطبق الأخشبين على البُغاة الأشرار، وتمنح اليمن ضوءاً جديداً من أنوار الله، إشراقة مختلفة عن كل ما مضى، بحرب مقدسة تأخذ مداها ولا يبتعد سيفها عن رقبة المتمرد الأثيم.
- كنت في مكة الطيبة قبل أيام، وحولي الملايين يضحكون ويبكون، يكتبون لأبنائهم وآبائهم وأمهاتهم عن قدسية المكان، وحلاوة الإيمان، يتواصون بالدعاء وماء زمزم، حيث يكون العيد في منازلهم وأوطانهم، تنتظرهم طائرات بلدانهم لتذهب بهم إلى فرحة اللقاء بعد أسابيع التعبد وأداء شعائر العُمرة والصلوات الطويلة في المشاعر المقدسة، إلا أنا وبلادي.. كل من فينا بعيدٌ عن قلبه، ممنوع من اللقاء ومحروم عن عناق أحبته وأهله وأصدقائه، لم نفعل شيئاً إلا أننا كرهنا العنصرية، وكتبنا بالكلمات وحدها رغبتنا بالخلاص من حُكم مُسلح انطلق من غياهب العصور الوسطى كرصاصة ليستقر في جسد اليمن الجميل.
- عيدٌ بأي حال، وصنعاء التي تقترب، تبتعد، والحنين الذي سوف يأتي يغادر، والسلام الذي نريد لا يأتي إلا على ضلوع نسور الطائرات، وبسواعد الرجال الأشداء المُرابطين على ضفاف جنة «صنعاء»، ونحن دوناً عن بقية العالم أسرى ميليشيا عنصرية، مُختطفون في وطننا، منهوبون ممن يزاحموننا على اليمن وهم لا يعترفون بالانتساب إليه، ولا تتقد حماستهم إلا لسلالة غاشمة نازية.
- العيد في صنعاء، اليوم أو غداً، لن يطول صبر الرجال وعطشهم، ففي صنعاء كل عشق وعاشق، وإليها تهوي أفئدة الأحرار من الداخل والخارج، وإلى أن نستعيدها سيكون ذلك العيد الكبير، وقد نحرنا الكهنوت والشيطان، وسقينا بدماء أبطالنا شجرة الحرية التي لن تخبو، وسنظل نكتب عن أمجاد رجالنا وكبارنا الذين اقتحموا أسوار صنعاء ليخلصوها من عذاباتها وأوغادها في كُتبنا ومناهجنا ومدارسنا وجدران شوارعنا.
- العيد في صنعاء، ولا عيداً سواه، وهذه المرة لن يجدوا الوقت الكافي لتبديل أسمائهم فقد حفظنا صورهم وأشكالهم وأسماءهم وصفاتهم وألقابهم، ولن يمروا.. لن يمروا.
وإلى لقاء يتجدد