محمد سليمان العنقري
قال وزير المالية البريطاني جورج أوزبورن لصحيفة فاينانشال تايمز «سيكون علينا ركوب الطائرة وتسويق بريطانيا للعالم»، مشيرا إلى أن الحكومة البريطانية تضع نصب أعينها الصين، معلنا عن توجه بلاده لتعزيز العلاقات الاقتصادية معها، ويأتي ذلك بعد تصويت البريطانيين للخروج من الاتحاد الأوروبي.
وفي مقال سابق قبل أيام بعنوان «خرجت بريطانيا هل يبقى الاتحاد الأوروبي» ذكرت أن بريطانيا بما تملكه من جذور تاريخية لعلاقاتها مع العالم قد تكون وجهتها وتركيزها على الاقتصادات الناشئة وعلى رأسها الصين والهند، فبريطانيا لن تذهب لتلك المناطق من باب تعويض ما قد تفقدها بسبب خروجها من الاتحاد الأوروبي فقط عندما يكتمل بل حتى تكون قطبا اقتصاديا مهما بالمستقبل فهي ليست بأحسن حال ولن تكون خامس قوة اقتصادية عالمياً كما هو الآن، لكنها تملك مزايا تنافسية كبيرة بالوقت الحاضر ستتلاشى إذا لم تستثمرها لتكون مستفيدة من قوة النمو الاقتصادي بالدول التي تركز وجهتها لها كالصين بما تحتاج إليه تلك الدول من إمكانات بريطانيا فحجم صادرات بريطانيا للعالم يبلغ نحو 503 مليارات دولار وتحتل المرتبة التاسعة دولياً لكن خلال العقود الثلاثة الأخيرة تجاوزتها دول لم تكن ذات ترتيب مهم مثل كوريا الجنوبية التي تجاوزت بريطانيا، وكذلك الصين مما يعني أن المستقبل سيحمل معه دول جديدة تتجاوز بريطانيا، أما في جانب التبادل التجاري فإن حجمه يبلغ مع الصين نحو 80 مليار دولار بالعام الماضي، ويمثل قرابة 13 في المائة من حجم التبادل التجاري بين الصين ودول الاتحاد الأوروبي، مجتمعة وهي نسبة عالية تعطي ميزة لدعم تعزيز التعاون الاقتصادي بين بريطانيا والصين، حيث يصل عدد المشروعات البريطانية بالصين إلى ثمانية آلاف، بينما استقرت 500 شركة صينية بمقراتها في بريطانيا، وكانت الصين تنوي أن يكون المقر الأوروبي للبنك الآسيوي للاستثمار بالبنى التحتية في لندن قبل التصويت البريطاني على الخروج من الاتحاد الأوروبي، فالصين لن تتجاهل الفرصة لتعاون مع دولة متقدمة كبريطانيا بالصناعات والتكتولوجيا والخدمات المالية تحديدا التي تعد لندن أهم عواصم القطاع المالي الدولي وهو ما تحتاج إليه الصين للنهوض بقطاعها المالي الذي يعد تطوره ركيزة النمو الاقتصادي لأي دولة، حيث لم تصل الصين إلى مرحلة تنافسية ومتقدمة بالخدمات المالية كما هي بريطانيا بخلاف استفادة الأخيرة من تدفق الأموال الصينية عبر الاستثمار المباشر بالاقتصاد البريطاني والسياحة وكذلك رفع احتياطياتها بالجنيه الإسترليني لتقليل مخاطر بقاء الدولار كأكبر مستحوذ على استثمارات الصين فالجنيه هو العملة الثالثة باحتياطات العملات الدولية بعد الدولار واليورو.
كما أن بريطانيا بحاجة إلى تعزيز حضورها بشرايين اقتصاد شرق آسيا الذي تسعى دوله بقيادة الصين لتشكيل تكتل اقتصادي ضخم يضم نحو 3.6 مليار نسمة مما يفسح المجال لبريطانيا أن تكون من أكبر المستفيدين من حجم النشاط التجاري بشرق آسيا مما سيعزز من قوة اقتصادها ونموه، وفتح فرص العمل لمواطنيها وأسواق لشركاتها وكذلك جذب الاستثمارات لسوقها بما يحتويه من فرص ستكون بمجملها بوابة لأن يبقى الجنيه قوة مهمة بين العملات الدولية.
بريطانيا لم تنوِ الخروج من الاتحاد الأوروبي وهي غافلة عن التبعات السلبية الأولية التي ستظهر فورا لكنها تعرف أن المستقبل لا يمكن أن يبنى على وضعها الحالي وما يقيدها من اتفاقيات الاتحاد الأوروبي لأنها ترغب أن تبقى قطبا دوليا منفصلا عن الهوية التي يتجه لها الاتحاد الأوروبي وإن كانت تصر عبر تصريحات مسؤوليها نها ستبقى على علاقة مميزة مع أوروبا إلا أن بريطانيا يبقى في حقيقة أغلب شرائحها بمجتمعها وطبقاتها السياسية كذلك على قناعة قديمة بأنها لن تكون كسائر دول أوروبا المكونة للاتحاد الأوروبي في رؤيتهم للمستقبل، فهي بنظر شعبها تريد أن تبقى بريطانيا العظمى.