د. عبدالواحد الحميد
لا يخلو أي مجتمع من وجود أناس أشرار يعكرون صفوه ويرتكبون شتى أنواع الجرائم. هذه حقيقة أزلية وُجِدت وستبقى في كل زمان ومكان عبر التاريخ منذ أن قتل قابيل أخاه هابيل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
لكن شيوع الجرائم وندرتها ومدى عنفها وقسوتها تختلف من مجتمع لآخر. وفي مجتمعنا السعودي توجد الجريمة، شأننا شأن أي مجتمع آخر في الدنيا. وقد كان معدل حدوث الجرائم لدينا في السابق أقل مما صار عليه الآن، كما أن خطورة الجرائم ومدى عنفها وقسوتها وانتشارها أصبح أكثر بكثير من السابق، وهذا أمر طبيعي ويحدث في المجتمعات كلما انتقلت من مرحلة تنموية دُنيا إلى مراحل تنموية أعلى كأثر ثانوي سلبي للتقدم المادي تعمل المجتمعات على التصدي له.
وعلى سبيل المثال، فإن حوادث القتل التي تحدث في إطار الأسرة الواحدة بسبب الخلافات المادية أو الأُسَرية كانت غير موجودة أو نادرة الحدوث عندنا، لكنها أصبحت في السنوات الأخيرة تقع بشكل متكرر، ولا أتحدث هنا عن جرائم قتل الأقارب على الطريقة الداعشية كما حدث في جريمة الحمراء بالرياض فهذه جديدة تمامًا على مجتمعنا وهي جزء من الوباء الداعشي الذي يجتاح العالم.
من أنواع الجرائم التي كانت نادرة الحدوث في مجتمعنا تشكيل عصابات من عدة أفراد ترتكب جرائم بتخطيط دقيق وغير عفوي مثلما يحدث في الأفلام! وقد ألقت شرطة منطقة الرياض مؤخرًا القبض على عصابة مكونة من خمسة عشر فردًا تورطت بارتكاب خمس وثمانين حادثة سرقة وسلب، ومنها سرقة سيارات واستيقاف عمالة وافدة والاستيلاء على ما بحوزتهم وسرقة سائقي شاحنات بعد تهديدهم بالسلاح الأبيض وغير ذلك من التفاصيل التي أوضحها الناطق الإعلامي لشرطة منطقة الرياض.
مجتمعنا ما زال يتمتع بالأمن بالمقارنة بالعديد من المجتمعات الأخرى، لكن حدوث مثل هذه الجرائم المنظمة هو ناقوس ينذر بالخطر ويجب التنبه إليه سواء كان أعضاء هذه العصابات الإجرامية هم من المواطنين أو من العمالة الوافدة.
مكافحة الجريمة أيًا كان نوعها ومرتكبها مسألة أساسية لا أحد يجادل في أهميتها، لكن الجريمة التي يرتكبها فردٌ واحد تكون في الغالب أقل أهمية وخطورة من تلك التي يرتكبها تشكيل عصابي إجرامي. لذلك، فإنه مما يدعو إلى القلق أن نسمع بين الحين والآخر عن إلقاء القبض على أفراد عصابة إجرامية، وهو ما يتطلب تشديد العقوبة على أفراد هذه العصابات منعًا لتنامي سطوتها كما هو الحال في بعض البلدان الغربية ومنها الولايات المتحدة التي ما تزال تعاني من جرائم عصابات المافيا بعد أن ترسخ نفوذها في تلك المجتمعات وأصبح من الصعب اقتلاعها.