خالد بن حمد المالك
يقتلون أمهاتهم وآباءهم وأشقاءهم وكلَّ قريب أو صديق أو زميل يرفض إرهابهم، وتمتد جرائمهم إلى حيث تكون هناك دور للعبادة، وكذلك المستشفيات والأسواق العامة، وكل مؤسسة تزدحم بالناس. ويمارسون هذا النوع من أعمالهم الانتحارية، دون مسوغ إنساني أو ديني، وهو ما لم نشهده من قبل إلا مع ولادة القاعدة ثم داعش، وظهور دعاة الفتوى باسم الدين، وكلها سلوكيات تنم عن لؤم وحقد وكراهية.
* *
وإلاّ فكيف بنا نصدق - ولو بالخيال - أن يقتل توأمان أمهما ويحاولا قتل أبيهما وأخيهما، وأن يتوجه آخرون إلى المساجد، بما في ذلك مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لتفجير أنفسهم بأحزمة ناسفة في هذا الشهر الكريم، فيما المسلمون الحقيقيون يؤدون صلواتهم ركعاً سجداً يرجون ويبتغون رضا ربهم وعفوه ومغفرته في آخر يوم من أيام شهر أُنزل فيه القرآن الكريم.
* *
ويلٌ لهؤلاء القتلة ومن أفتى لهم بما فعلوه من عذاب أليم، ومن حساب عسير، ومن نار موقدة تستعر بانتظارهم، لقاء ما ارتكبوه من جرائم وأعمال إرهابية، وهي ما لم يعرف العالم بكل دياناتهم ومفاهيمهم وانتماءاتهم مثيلاً لها، فإذا بنا في هذا الشهر الكريم وفي أقدس البقاع نجد أنفسنا أمام هول جرائم هؤلاء القتلة في ثلاث مدن بعد أن فقدوا كل إحساس بالإنسانية، أو شعور بالذنب، وتخلوا عن أبسط قيم الإسلام وتعاليمه الخالدة.
* *
فعلى مقربة من قبر الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - وعلى بعد خطوات من مقابر الصحابة، وحيث تقام الصلاة في الحرم النبوي الشريف يأتي هذا المجرم ليفعل ما فعل بنفسه وبالشهداء من رجال أمننا البواسل، وعلى بعد خطوات من مستشفى سليمان فقيه في جدة، ومثله في مسجدين في القطيف، ينفذ مجرمون آخرون وبكل خسة ودناءة جرائمهم دون أن يرق لهم جفن. فمن الذي أفتى لهم ولغيرهم من القتلة المجرمين بأن يقتلوا الأبرياء، ويختاروا أعز الشهور، وأقدس الأماكن، وأفضل الأوقات، إن لم يكن هناك من هم شركاء مع المجرمين ممن يفتي لهم بذلك، الأمر الذي يستوجب ملاحقتهم والقصاص للأبرياء منهم.
* *
وهكذا مضى وانقضى شهر رمضان، على أعمال موجعة، وجرائم منكرة، غير أن ما حدث لن يثني هذه البلاد عن مواصلة محاربتها للإرهاب، والدفع بالمزيد من الشهداء في سبيل القضاء على كل مجرم أو صوت ناعق، إلى أن يتم تطهيرها من هؤلاء الخونة المارقين، ولها ومن حقها أن تكون حازمة وصارمة في تعاملها مع كل من يريد الشر بنا، أو يحاول أن ينال من أمننا، أو يفكر بأن يقوض حجراً بنيناه بسواعدنا، وشجرة حب زرعناها في ميادين مدننا وشوارعنا، وعلينا أن نفتش عن دور مشبوه لإيران في كل ما يحدث هنا وهناك، فهي كرأس الأفعى الذي يعيش آمناً مستقراً كحالة استثنائية دون غيرها من دول العالم.