العدل قيمة ضرورية للسعادة، وقاعدة عظمى للأمن، ومحور أساسي في بناء استقامة المجتمعات وضامن قوي لنهضها واستقرارها وتقدمها. والعدل هو الاستقامة والاعتدال والميل للحق. ولقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على العدل بوصفه مفهوماً تطبيقياً، وعمل على إرساء قواعده بين الناس حتى ارتبطت بها جميع مراتب ما جاء به من تشريعات ونظم، فلا يوجد نظام في الإسلام إلا وللعدل فيه مطلب، فهو مرتبط بنظام الإدارة والحكم والقضاء وأداء الشهادة وكتابة العهود والمواثيق، بل إنه مرتبط أيضاً بنظام الأسرة والتربية والاقتصاد والاجتماع والسلوك والتفكير، فالأمة الإسلامية برؤية الرسالة المحمدية مكلفة بتحقيق العدل في الأرض وأن تبني حياتها كلها على أصول العدل حتى تحيا حياة كريمة.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعدل الناس، وقد تنوعت صور عدله وشملت كافة المجالات كما عمت جميع شرائح المجتمع، فالعدالة النبوية لا تفرق بين شريف ووضيع، ولا بين غني وفقير، أو حاكم ومحكوم، فالكل في ميزان الحق والعدل سواء (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها). وكان عليه الصلاة والسلام محباً للعدل سجية قبل أن يختاره الله تعالى للنبوة، فقد أشاد بما شهد مع قومه من حلف الفضول ذاك الحلف الذي أنشئ لإقامة العدل ونصرة المظلوم. ودعا إلى العدل بين الأبناء ونهى عن الجور في العطية، بل من تمام عدله أنه ما كان يتميز عن أصحابه في لباس أو طعام أو مركب بل كان يعمل معهم ويجاهد معهم. وكان يعدل في القسم بين زوجاته فيما يستطاع من مبيت ونفقة ونحوها سفراً وحضراً. وعموماً فإن حياته صلى الله عليه وسلم ورسالته كلها عدل في قوله وفعله وحثه على إشاعته وإرسائه.
- المشرف على كرسي المهندس عبد المحسن الدريس للسيرة النبوية بجامعة الملك سعود