جعل الله الصوم شهراً في السنة يتزود فيه المؤمنون بحكم الصوم وفضائله لباقي شهور العام حتى يصلوا إلى التقوى بحيث يتقون بتلك الفضائل الشرور والآثام.
ومن أهم حِكم الصوم وفضائله أنه يربي في الصائم المؤمن ملكة الصبر والمصابرة عن الشهوات المفسدة للأخلاق، إذ من ربّى نفسه طيلة شهر رمضان على ترك شهواته المباحة الميسورة امتثالاً لأمر الله تعالى واحتساباً، عنده يُرجى من أن تتربى عنده ملكة ترك الشهوات طيلة شهور السنة.
ن من أهم حِكم الصوم تربية ملكة الصبر على المكاره والمشاق، إذ مَنْ صبر طيلة أيام شهر كامل على احتمال مشقة الجوع والعطش، سيما في الأيام الطوال الحارة فإنه يُرجى أن تتربى عنده ملكة الصبر في المواطن التي تحتاج إلى ذلك.
ومن فضائل الصيام تربية ملكة الشفقة والرحمة على الفقراء والمساكين، فإنه حينما يشتد جوع الصائم وعطشه يشعر بحاجة إخوانه المحتاجين، وربما حمله ذلك على الإحسان إليهم وفي ذلك إصلاح اجتماعي. وبهذا ترتبط فريضة الزكاة بفريضة الصيام برباط ديني اجتماعي إنساني متين.
ومن خصائص شهر رمضان تربية مراقبة الله عز وجل في جميع أعمال الصائم طيلة شهور السنة، إذ عند ترك الصائم كل ما يرغب فيه أثناء أيام صيامه من أكل نفيس وشراب عذب وفاكهة شهية وكل ما يستهويه من الملذات امتثالاً لأمر الله تعالى، فإن من نتائج هذا أن تتقوّى ملكة المراقبة ومحاسبة النفس بقية شهور العام.
وفريضة الصيام تربي في نفسية الصائم ملكة النظام في جميع أعماله، فإنه حينما يلتزم وقتاً محدداً لصومه وإفطاره وسحوره وقيامه وتلاوته للقرآن وزيارة الأقارب والأصحاب فإن ذلك يربي عنده حب النظام والمحافظة على ترتيب الأعمال.
ونضيف إلى ما سبق من الخصائص والسمات والفضائل المرتبطة بفريضة الصيام في شهر رمضان المبارك أيضاً، أن في الصوم فرصة لإذابة شحوم المترهلين وإفناء المواد السامة المترسبة في الأبدان، لا سيما أبدان المترفين أولي النهم قليلي العمل، وتطهير الأمعاء من السموم التي تحدثها البطنة، فكثير من المرضى يتعافون أثناء شهر رمضان.
إن رمضان مصنع للرجال وليس مطبخاً للطعام، فلو تجوّل الإنسان في الأسواق عشية الإفطار لرأى العجب العجاب من تهافت الناس القادرين على شراء اللحوم والخضار والحلويات والمآكل المتنوعة، حتى ترتفع الأسعار تبعاً لزيادة الطلب وتُفقد أحياناً هذه المواد الغذائية من الأسواق ويتعذر بالتالي على الفقراء شراء ما يحتاجون منها بريالات محدودة.
وللأسف، فإننا نشاهد في أيامنا هذه ما وصل إليه الناس من فهم لرمضان وممارسة للصيام، فهم يتبارون في صنع الأطباق المتنوعة ولا يكتفون بطعام واحد بل يضعون على موائد الإفطار كل ما اشتهته نفوسهم أثناء النهار، فإذا دوّى مدفع الإفطار انطلقوا على سجيتهم يملأون بطونهم من كل نوع حتى التخمة.