العيد في اللغة من العود، وهو اليوم الذي يعود فيه الفرح والحزن عند العرب، لكن غلب عليه الفرح. ولكل الشعوب والدول أعياد دينية أو وطنية، كثيرة منها: أعياد الاستقلال، والتحرير، والفصح. وكذلك ابتدع الأفراد أعيادا لهم، مثل: أعياد الميلاد، أو النجاح، أو التخرج.
والعيد في الإسلام شعيرة دينية ؛ لقوله تعالى: {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} سورة الحج 32. وهو كذلك عبادة وشكر لله على ما أتم به علينا من صيام رمضان وقيامه، أو على ما تم به على الحجاج حجهم وزيارة قبر نبيه - صلى الله عليه وآله.
وفي وقتنا الحاضر أصبحنا نعيش العيد في حالة بين الألم والأمل. الألم من المشكلات الاجتماعية، مثل: التفكك الاجتماعي والأسري، واستسهال الجريمة، وسوء الأخلاق، وغيرها. وكذلك المشكلات الاقتصادية، كانخفاض سعر البترول، وارتفاع تكاليف المعيشة، والبطالة، والسكن، وثالثة الأثافي التي أدمت قلوبنا: مشكلات الإرهاب، والطائفية، والقبلية، والعنصرية وكلها أدت إلى خفوت بريق العيد حتى قالوا عنه: بأنه ملل، وطفش، وبارد، ولا جديد فيه تحت الشمس!.
ومن كوَّة الألم نرى بصيص أمل في عيدنا، أنه يهّل علينا، وبلادنا المملكة تنعم بأمن وأمان، واستقرار سياسي في خضم بحر متلاطم الأمواج من اختلال الأمن، وانتشار الإرهاب والجريمة، والحروب الأهلية في منطقتنا العربية خاصة. وكذلك يهل علينا هلاله، ونحن ننظر إليه متفائلين بشروق شمس مشروع التحول الوطني 2020، وبزوغ الرؤية الوطنية 2030 التي نتأمل فيهما نهضة وطنية شاملة في جميع المجالات.
العيد فرحة، وحب، وتكافل اجتماعي بزكاة الفطر وتوزيع الأضحية، ومساعدة الفقراء والمحتاجين. وهو التقاء المسلمين ببعضهم في صلاة العيد، وتزاور واجتماع الأهل، والأصدقاء، والجيران، وغيرهم.
العيد هو الأمن في النفس، والمال، والأهل، والولد. وهو التحول من حالة الألم إلى حالة الأمل، ومن القطيعة إلى التواصل الاجتماعي بكل وسائله. وهو تحويل التعاسة إلى سعادة. وهو فن صناعة الفرح، ونبذ الحزن {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ}. وبالتالي هو رد على دعاة الحزن الذين ينادون بعدم الفرح فيه في ظل ما تعانيه بعض الشعوب المسلمة من ظلم، واستبداد، وإرهاب في فلسطين، وسوريا وغيرهما، متجاهلين أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- تعوذ من الحزن في دعائه: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن». ومتناسين أنه لا يُرى إلا متبسماً مهما كانت أحواله: «وتبسمك في وجه أخيك صدقة». وأين هم من قول الإمام علي رضي الله عنه: «وكل يوم لا تعص الله فيه فهو عيد».
العيد هو يوم إظهار الزينة، وعرض الناس بعضهم على بعض، وأن يُحشروا قبيل شروق الشمس لأداء صلاة العيد، لا أن يُحشروا ظهراً، أو ليلاً حول مائدة طعام فقط تكون عيداً لأولهم وآخرهم، ثم ينفضوا دون أن يدركوا الهدف الحقيقي منه، بأنه رؤية جديدة لمستقبل أفضل، وقطعاً لروتين يستبد فينا، ويجثم على صدورنا مللاً وكآبةً وحزناً بين آونة وأخرى.
يجب علينا أن نعتبر العيد ضيفاً خفيفاً، مسليا، نستقبله بالبشر، ونودعه بالحب متأسفين على رحيله، وأن ننظر إليه نظرة جديدة ثلاثية الأبعاد من جميع الزوايا. والجدير بالعلم أن العيد جميل المحيا يكمن جماله باجتماع الناس، وصفاء النفوس. وصدق الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي حين عبر عنه في كتابه وحي القلم بقوله: «جاء يوم العيد، يوم الخروج من الزمن إلى زمن وحده لا يستمر أكثر من يوم.
زمن قصير ظريف ضاحك، تفرضه الأديان على الناس؛ ليكون لهم بين الحين والحين يوم طبيعي في هذه الحياة التي انتقلت عن طبيعتها.
يوم السلام، والبشر, والضحك، والوفاء، والإخاء، وقول الإنسان للإنسان: كل عام وأنتم بخير.
يوم الثياب الجديدة على الكل؛ إشعارًا لهم بأن الوجه الإنساني جديد في هذا اليوم.
يوم الزينة التي لا يراد منها إلا إظهار أثرها على النفس ليكون الناس جميعًا في يوم حب.
يوم العيد؛ يوم تقديم الحلوى إلى كل فم لتحلو الكلمات فيه.
يوم تعم فيه الناس ألفاظ الدعاء والتهنئة مرتفعة بقوة إلهية فوق منازعات الحياة... إلخ».