عبدالعزيز السماري
ما يحدث من حالات انتحار في تفجيرات الوطن يجب أن يثير الاهتمام لأكثر من بعد وزاوية، فمن الواضح أن الفكر الإجرامي التكفيري يجد قبولاً عند بعض المراهقين للقيام بعمليات الانتحار وتقطيع أجسادهم في صور مروعة.. والجدير بالذكر أن أياً من محرضينهم لم يقدم على الانتحار، بل يهربون للأنفاق والمخابئ تمسكاً بالحياة، ولم يكونوا مطلقاً في عجلة في أمرهم للانتقال إلى عالم الآخرة، ثم الفوز بالنعيم والسعادة الأبدية والحور العين بعد قتل الكفار، كما يروجون، لذلك لابد من الانتقال إلى زاوية أخرى للنظر في هذه المأساة، وهي انتحار شباب في عمر الورود.
قد يخفى على الكثير أن سن المراهقة مرحلة خصبة لارتفاع نسب التفكير في الموت ثم الخروج من الحياة إلى العالم الآخر، وقد كان لمنظمة الصحة العالمية جهود ملحوظة لمراقبة وتقييم ارتفاع نسب حالات الانتحار بين المراهقين، وقد كان الانتحار، وأيضاً القتل، السبب الثاني والثالث الرئيس للوفاة على التوالي، بين المراهقين الذين تتراوح أعمارهم 15-19.
وقد شملت الإحصائيات التي تعود إلى عام 1990، وتتم مراقبتها سنوياً، مختلف دول العالم، ويبلغ معدل انتحار المراهقين حوالي ثماني حالات انتحار في كل مائة ألف نسمة، وهي أعلى بين الذكور، وقد كانت الأسلحة النارية سبب الوفاة في حوالي 88 في المئة من جرائم القتل في سن المراهقة، و41 في المئة من حالات الانتحار في سن المراهقة في عام 2014، وكان ثلثي القتلة أيضاً ثمانية عشر عاماً أو أكثر.
تعيد هذه الدراسات الأسباب إلى اضطرابات المزاج مثل الاكتئاب ومرض ثنائي القطبية والانفصام، كأحد أهم عوامل الخطر الرئيسية للانتحار بين الأطفال والمراهقين، كما وجدت إحدى الدراسات أن أكثر من 90 في المئة من الأطفال والمراهقين الذين أقدموا على الانتحار كان نوع من الاضطراب العقلي، نتيجة لأحداث الحياة الضاغطة، كذلك قد تكون المستويات المنخفضة في التواصل مع أولياء الأمور أحد عوامل الخطر الهامة في هذا المجال.
المدهش في الأمر أن قائمة الدول التي تقدم إحصاءات سنوية عن نسب الانتحار بين الشباب والمراهقين تخلو منها المملكة، برغم من أن بعض الإحصائيات تشير إلى أن ما بين 1994-2006، ارتفعت حوادث الانتحار بنسبة 185 في المئة في البلاد، وهو ما يشير إلى وجود مشكلة، وتحتاج إلى دراسات أكثر من قبل الجهات المعنية عن أسباب تدني مستوى العناية الطبية بالأمراض النفسية، وترك الحارب على الغارب لمن هب ودب لمعالجتهم أو استغلالهم في جرائم الإرهاب.
أزمتنا الثقافية والنفسية إن صح التعبير هو ذلك التداخل الغريب بين المرض النفسي والدين، فالأسباب لا يمكن فهمها تبرز كثير من الأعراض النفسية كحالة دينية في المجتمع المتدين، مثل الوسواس القهري ذو الأعراض الدينية، وسواس الوضوء والطهارة، وسواس النية والمهدي المنتظر ووسواس سب المقدسات والذات الإلهية، وسواس التضحية بالنفس، ومنها أيضاً الشعور بالذنب كأحد أهم أعراض الاكتئاب، ويكون عادة التبرير الديني لعلامة الشعور بالذنب الإحساس بالتقصير في العبادات، والعامل الأخطر في قضية الشعور بالذنب الاعتقاد الخاطئ أن المتدين لا يمرض نفسياً، وبالتالي اعتبار الشعور بالاكتئاب نوع من ضعف الإيمان، فيزداد الإحساس بالذنب، وتزداد حالة الكآبة والرغبة في الخلاص وهم التقصير الديني.
تعتبر خدمات الصحة النفسية في البلاء الأسوأ والأقل خدمة للمواطنين عند مقارنتها بأمراض القلب والسرطان، ويعاني مرضى الانفصام والكآبة وثنائية القطبية من الإهمال الشديد، الذي قد يصل إلى حالة لا تحمد عقباها في العائلة، فيضطرون لربطه أو سجنه في غرفة في المنزل، أو أخذه لدجال يدعي أنه قادر على علاجه إما بالضرب أو الكي.
أثبتت الدراسات النفسية أن العنف هو المصاحب الأكبر لحالات الانتحار خصوصاً بين المراهقين، ولهذا السبب تحتاج المملكة لتقديم دراسات وطنية موثقة عن نسب الانتحار بين المراهقين، وخصوصاً أنهم في غياب المستشفيات النفسية يلجأون للخطاب الديني، والذي يخلط بين المرض النفسي والشعور بالإثم، وبالتالي يدخل المريض النفسي في أزمة الشعور بحالة التقصير بحقوق الله عز وجل، ومن خلال هذه النافذة يدخل المجرم المحرض، ويجد أمامه حالة جاهزة ومستعدة للانفجار، وترغب في الموت في سبيل الله حسب اعتقادهم، والتكفير عن تلك الذنوب التي تؤرقه ليلاً ونهاراً، وذلك كحل نهائي وخلاص لمعاناته النفسية المزمنة.
من خلال هذه الزاوية ربما تظهر أجزاء مروعة من الحقيقة المرة، فالمحرضون لا يفجرون أنفسهم، ولكنهم من خلال معاناة بعض المراهقين وغياب العناية الصحية الملائمة، وانقيادهم للتفسير الديني للمرض النفسي، يجدون غايتهم في أجساد مهيأة للانفجار في وجه المجتمع، ولذلك على وزارة الصحة والتعليم أخذ قضية ضعف العناية الطبية للمرضى النفسيين بأهمية عالية، فالوضع وصل إلى مستوى القنابل الموقوتة، والله المستعان.