د.محمد بن عبدالرحمن البشر
في يوم العيد تسمو الروح، وتغرد في سمائه البهجة والطمأنينة، وتعلو النفس فوق الأحقاد والكره، وتترفع عن الزلل والكبوات، وتعيش مع القرآن وبالقرآن، وتمتلئ سعادة وسروراً، وتسير الهوينى في درب الأمان.
بحور الطبيعة مليئة بالمخلوقات النافعة والضارة، ويابستها تنمو فيها الأشجار ذات الأشواك، والأخرى التي تتدلى منها الثمار اليانعة، وتجود بالظلال الوارفة، وبها أزهار تعبق بروائح الياسمين والرياحين.
هذه هي الطبيعة والناس فيها كما هي، منهم من يؤلمك شوكه، وربما يحرقك كيده، ويشغل نفسه بإيذائها وإيذاء غيره، ومنهم من يكون مخلوقاً مفيداً، وظلاً مديداً، ورائحة زكية نفاذة لا يخرج منها إلا الطيب، وتنبت من الخير كل عجيب.
في العيد تتجه إلى الخالق الكريم، الرب الرحيم، خالق البشر والطبيعة، ومسخر كل منهم لصاحبه.
ستمر في الذاكرة تلك الألوان من البشر والمشارب من الناس، والقصص التي وقعت، وتلك التي لم تقع، من خير أو غيره، في العيد تتجمع الحواس لتلهج بالدعاء، لمن صنع معروفاً وأسدى خيراً، وزرع ثمرة، وفي ذات الوقت يظهر أمام النفس ذلك النوع من البشر الذين أساءوا ولم يحسنوا وظلموا ولم يقسطوا، أمام هذين المشهدين المتضادين وعند الدعاء لمن صنع المعروف، لعل وقفة عفو تمحو ما تراكم من ألم بفعل فاعل، فيرفع المرء يديه مسامحاً من أساء له، ومتجاوزاً من أراد الإضرار به، يزيلها قولاً وشعوراً، فينقي القلب من كدر فعل ذلك الفاعل، ويكسب بها حسنات، ويمحو بها سيئات بإذن الله تعالى.
بعد هذا كله فمن ينغص فرحة العيد، ويذيب فعله الحديد، هو إِنسان بجسده، شيطان بفعله فيا للعجب! كيف لقلب بشر أن يودع شهر رمضان المبارك، بقتل الناس في أطهر بقعة، ويا للعجب! كيف لعقل بشر أن يقوده إلى ارتكاب تلك الجريمة، ويا للعجب! كيف حمل هذا الفكر، وكم تحمل من وزور، ويا للعجب! كيف ينام من صنعه وجنده وهو يرى دماء المسلمين تسيل في مسجد رسول الله، وهم يفطرون بعد صيام، ويدعون الله بعد قيام، أي قلوب قاسية، وعقول خاوية، وأفكار واهية ؟، فكيف لجسد أن يسير وهو يخفي بين جنباته هذا الجرم العظيم، والكيد الجسيم.
هؤلاء الإرهابيون، أي هدف يريدون، وأي منال يرمون، وأي ضلال يعيشون، يمشون بيننا بوجوههم الكالحة، وغرائزهم الطالحة، لكننا لا نميزهم لانهم يسيرون في الأسواق مثلنا، ويعملون معنا، ويعيشون عيشتنا، وفي ساعة من ساعات إجرامهم المعد سلفاً، تتبيّن لنا أي صنيعة فكرية صنعوا منها، وأي عجينة فكرية تربوا عليها، وأي دروس إجرامية تدعوا بها، فبئس بئر شربوا منه ملتهم وبئس ورد أطفأوا به ظمأهم، فبئس الورد المورود الذي ينتظرهم.
نعيش العيد وفي قلوبنا جرح أليم، ومصاب عظيم، ونعيشه ونحن نتذكر حماة الوطن، المدافعين عن المصلين، الصابرين المخلصين، الكرام الخيرين، وحسبهم أنهم عند ربهم شهداء بإذن الله، ماتوا في أطهر بقعة، وفي أعظم شهر، والألوف تترحم عليهم، وتدعوا لهم، وتتذكر نبل فعلهم، وضلال المجرمين قاتليهم.
ستكون الجنة إن شاء الله مأواهم، والفردوس منزلهم، على سرر متقابلين يطوف عليهم ولدان مخلدون.
هذا الوطن الكريم الذي لم يترك أمراً إلا وصنعه لخدمة الزائرين للمسجدين العظيمين، ولم تترك طريقا إلا أمنته، ولا وسيلة رابحة إلا يسرتها، ولا درب خير إلا سلكته.
المواطنون والوافدون جنود لحماية هذا الوطن، وأعوان مخلصون للقائمين على شؤونه، ومتطوعون صادقون للذود عنهم، هم جميعاً بلا استثناء سوى تلكم الزمرة الخاسرة، سائرون في ركب الإصلاح، والكفاح ضد المعتدين، والمريدين لهذا البلد شراً، هم جميعاً يداً واحدة لوحدة الوطن.
اللهم آمنا في أوطاننا، واجعل هذا البلد بلد الحرمين الشريفين خالياً من تلك الأفكار الدخيلة الغريبة المريبة، التي لم تعرف لها عندنا قاعدة، ولا نعلم لها عندنا مائدة، فحسبنا الله على من صنع تلك الأفكار الضالة، والأعمال الإجرامية الحالة وحسبنا الله وكفى.