د.خالد بن صالح المنيف
ممن عايشت شخصان أحدهما ألمعي، فطن, ميسور الحال، والثاني رجل أقل ذكاء وأيسر فهما وأقصر يدا.... كل مقدمات السعادة ومدخلات السرور وإرهاصات التفوق متوفرة عند الأول!
ولكن الحال كان دون هذا التصور ومجانب لكل تلك المعطيات!
فقد كان الأول ضعيف الإنتاجية، باهت الروح ضائق الصدر, جل علاقاته مؤقتة على توتر يشوبها، وكان كوصف الزيات رحمه الله: يسير في طريق الحياة كالشارد الهيمان, ينشد الراحة ولا يجد الظل, ويفيض بالمحبة ولا يجد الحبيب, ويلبس الناس ولا يجد ما ألبس,ويكسب المال ولا يجد السعادة ويعالج العيش ولا يدرك الغاية!
وأما الثاني يتمتع بنفسية متألقة وراحة داخلية تجلت للناظرين، وعطاء كبير في وظيفته وحياته عموما ومعها وعلاقات شخصية عريضة فما هو السر يا ترى في هذا التباين؟
لقد كان الثاني متفائلا مقبلا على الحياة يظن في البشر والدنيا الخير، وأما فقد كان الأول سوداوي الرؤية متشائم مسيئا للظن!
ما أروع أن يبتسم الإنسان للحياة بنظرة متفائلة يبصر بها الجمال في كل ما يحيط به وما يمر عليه فالله الخالق قد صنع جمالاً وروعةً في كل شيء، ولكن البعض من فرط شقائه يرى فيها قبحا ودمامة؛ فكانت النتيجة أن حرم من السعادة! فلا أضيع للمواهب ولا أطرد للسعادة ولا أجلب للشقاء ولا أقتل للحياة مثل التشاؤم، ولا شيء مثل التفاؤل يصنع الفرح ويبث الروح وينمي الملكات ويدفع نحو النجاح!
يقول عالم النفس الكبير (بايلس): إنّ التفاؤل دفاع جيد ضد التعاسة ومن يتفاءل ويقبل على الحياة ويبتسم لها ليسوا أعظم راحة شخصية ولا أعمق طمأنينة داخلية فحسب؛ بل هم أقدر على كسب القلوب، وأقوى ظهرا على تحمل الأعباء، وأطول نفسا على مواصلة الطريق، والنهوض بالمسؤوليات وأجدر من غيرهم على منازلة المشاكل، ومغالبة الصعاب, وكذلك هم مظنة الإتيان بجلائل الأعمال! ولا غرابة في هذا فمن يتأمل في حال المتفائلين المبتسمين للحياة يلحظ أنهم يملكون روحا باسمة وعقلا مشرقا ونفس مطمئنة تمكنهم من الفوز بكل سباق!
سئل ذات يوم الأديب أحمد أمين.. ماذا سيختار لو خير بين مال وفير ومنصب كبير أو نفس راضية وروح باسمة؟
فأجاب بلا تردد: الثانية.. فما المال مع العبوس؟ وما المنصب مع انقباض النفس؟ وما كل ما في الحياة إذا كان صاحبه ضيقا حرجا كأنه عائد من جنازة حبيب؟ وما جمال الزوجة إذا عبست وقلبت بيتها لجحيم دائم!
وأقول: من يتأمل في هذه الدنيا يجد كل ما فيها مبتسما فالسماء تبتسم خلاف ما كان يراه شاعر التفاؤل إيليا أبو ماضي والكواكب تطل علينا بابتسامة عذبة والفجر يتسلل من العتمة بوجه ألق مبتسم!
المتفائل كالنهر الجاري وإن شابه عكر سرعان ما يعود أكثر صفاء وعذوبة, والروح المتفائلة تهون عندها الصعاب وتصغر عندها العظائم؛ فالمصائب والمواقف الجليلة كما وصف أحد الأدباء أقرب ما تكون للكلب العقور إذا شاهدك جازعاً خائفاً نبح وعدا خلفك ولو شاهدك ثابتا هادئا لا تعيره اهتماماً انكمش وأفسح لك الطريق!
وهناك من يرى أن التفاؤل قفز على الواقع ومجانبة للحقيقة وتسلية للنفس وأقول إن التفاؤل ليس حالة نفسية نخدِّر بها النفس ونتحايل بها على الواقع، وإنما هي حالة من حُسن الظنِّ بالله وسموِّ النفس، محرِّضًا على الجِد مُحسِنًا من الواقع، التفاؤل فن لا يجيده إلا العظماء!
ما أروع المتفائل المحسن الظن بالله مستمدا قوته وطاقته من لطف الله وسكينته، ومع هذا السلاح قويت همته وعظمت عزيمته وكبرت خطوته قابلا لذاته متصالحا مع نفسه محبا لها وللكون والناس، فالمتفائل محب على الدوام لا يعرف الحسد والحقد والكراهية التي نهى عنها ديننا الحنيف، والمتفائل عندما يتخفف من هذه الأثقال التي تعوق كل انطلاقة سيكون حراً فاعلاً.
التفاؤل لا علاقة له بممتلكات أو مؤهلات فالكل قادر على اكتسابه إن لم يكن جُبل عليه بحسب ما أكد هذا كبير علماء النفس مارتن سيلجمان الذي ألف كتابا وأسماها (تعلم التفاؤل)
فأعد النظر في أفكارك تجاه الحياة، فالحياة جميلة مبهجة رغم كل ما فيها من متاعب، واستعد ابتسامتك المشرقة، واعلم أنه مهما كانت أيامك الماضية مليئة بالمشاكل فإن المستقبل مفعم بالأمل!
ولعلي أقدم لك لاحقا خطوات عملية من هذا الكتاب وغيره تنقلك لمصاف المتفائلين بحول الله.