الحلم من أشرف الأخلاق وأحقها بذوي الألباب، لما فيه من سلامة العرض وراحة الجسد واجتلاب الحمد، فالحلم هو ضبط النفس والطبع عند هيجان الغضب، ومنه تأخير مكافأة الظالم. والحلم ليس ضعفاً كما يتصوره بعض الناس بل هو عين القوة لأنه يدل على سيطرة الإنسان على نفسه ولجمها بزمام المراقبة والتقوى، ولذا قيل: لا يصح الحلم إلا ممن يقدر على العقوبة وما يجري مجراها من التأديب.. وكان لنبينا صلى الله عليه وسلم القدح المعلى في هذا الباب، والحظ الأوفر من هذا الخلق، فإن كل حليم قد عرفت منه زلة، وحفظت عنه هفوة، وهو صلى الله عليه وسلم لا يزيد مع كثرة الأذى إلا صبراً، وعلى إسراف الجاهل إلا حلماً.
وكان صلى الله عليه وسلم أحلم الناس على أصحابه بحيث يلتمس لهم المعاذير ولا يعاجلهم بالعقوبة إذا أخطأوا كما فعل مع حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه في قصته الشهيرة عندما كتب إلى قريش يخبرهم بخروج النبي صلى الله عليه وسلم إليهم. بل وسع حلمه حتى أعداءه فها هو صلى الله عليه وسلم يلقى أبا سفيان الذي بالغ في حربه وعداوته والتحريض عليه يوم فتح مكة فلم يزد على أن قال: (ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟!) وهنا أدرك أبو سفيان أنه ليس أمام شخص عادي بل أمام نبي يأتيه الخبر من السماء، ولذا قال: بأبي أنت وأمي ما أكرمك وأحلمك وأوصلك... وكان صلى الله عليه وسلم أنموذجاً للحليم في تعامله مع أزواجه وقد حفظت لنا دواوين السنة النبوية والسيرة العطرة الكثير من المواقف الدالة على ذلك. وقد وسع حلمه مخالفيه بل وأعدائه المحاربين له فلم ينتقم لنفسه يوما، وهو الموصوف في الكتب السماوية السابقة بأن حلمه يسبق غضبه ولا يزيده شدة الجهل عليه إلا حلما.
- المشرف على كرسي المهندس عبد المحسن الدريس للسيرة النبوية بجامعة الملك سعود
adelalshddy@hotmail.com