تلاشت فرحة العيد الحقيقة، وأصبحت فرحة عابرة ضمن موجات إلكترونية، بين كلمات الرسائل التي تلوكها وسائل الاتصال، وما لا حصر له من صور صممت للاستهلاك بحسب المناسبة، فلم تعد فرحة العيد وحدها عبر وسائل التواصل المجتمعي أول المتلاشين، ولا آخرهم، فقد سبقها العديد من القيم الاجتماعية، لتظل قافلة التلاشي تواصل سيرها، بينما سيكتفي «حادي» التقنية بحمل صواع وسائطها.
فالحنين، وبكائيات اللبن المسكوب، وزمن الطيبين، وحياة البسطاء، وتأمل أرشيف صورنا المجتمعية بالأبيض والأسود، لم تعد مسلية لنا أمام هذا المد من الظواهر الاجتماعية التي أمدتنا بها وسائل التواصل بعد أن امتدت إلينا، لنتحول دونما شعور إلى مخلوقات (ميكانيكية) بعد أن تحولت من وسائل اتصال، إلى احتلال لحواسنا، لتصبح الذاكرة، والصورة، والصوت، والصدى، والخصوصية، والمكون القيمي، لتبني لنا من نسيجها (العنكبوتي) بيتنا الافتراضي الذي نسكنه، ضمن أسرة معولمة، متوهمين فيها إخوة لم يلدنهم أمهاتنا!
ومنذ مقولة «أكذب.. ثم أكذب.. ثم أكذب» إلى عقود من تسويق الاستهلاك الثقافي و»تسليع» الأنسنة، بما نظَر له باحثون مؤدلجون في الاتصال، لشركات عابرة لما وراء القارات، أنتجت النظرية، وصنَعت الوسيلة، وسوَقت القيمة، وقاست الأثر.. كان ولا بد ألا يفلح معها أبد إجماعنا على حيادية الوسائل، وألا ينفعنا -أيضا- مجرد تعاوننا على شتمها بوسائل التقاطع الاجتماعي!
كيف استطاعت هذه الوسائل على المستويين، الأفقي، والرأسي، وبهذه السرعة أن تعيد إنتاج مجتمعات عربية بأسرها في اقل من عقدين؟! كيف تمكنت من إعادة إنتاجنا حتى داخل ذواتنا؟! متجاوزة استلاب الكثير من قيمنا، إلى استلاب أفراد الأسرة «الحقيقية» فردا بعد آخر، في حالة من
«التعالق» اللا مجتمعي، والاندماج اللا شعوري، لنتحول إلى ذوات لا تشبه ذواتنا ذات يوم!
لم تحوَل ضحكنا فرحا بالعيد، إلى مجرد رسوم مبتسمة؟! وتهانينا فيه مجرد أشكال ورموز تتقاذفها أجهزتنا بما جادت علينا بها ذاكراتها من صور ورموز؟! لم اخترنا أن نستبدل حتى أصواتنا المبتهجة بمقاطعها الصوتية؟! كيف استطعنا أن نسكن -بغباء- الغياب في أجهزتنا «الذكية» التي أصبحت تحملنا في جيوبنا؟!
من أي شرفة ستطل فرحة العيد على أسرة افتراضية؟ وأي باب قرعه الأطفال هذه الأيام وهم ينشدون: أعطوني عيدي، عادت عليكم؟ أم أنه حتى أناشيدهم في العيد تلاشت -بعد أن بلغوا سن الافتراض- في خلفيات صوتية لبطاقات معايدة مستعارة! بعد أن سئمت عتبات المنازل من انتظار مجيئهم عيدا بعد عيد، ويئست آذان الأبواب من سماع هتاف فرحهم، وخلعت طرقات الحي تطوافهم بين المساكن! فلا تأس كثيرا إن نسي بعض مهنئيك بالعيد أن يضيف إلى معايدته المنسوخة اسمه بعد وصولها إليه! فلربما كان أول غيث فرحتنا بالعيد أن نفكر في استعادة الفرح.
فرحتنا الحقيقية بالعيد عندما نعود من «الافتراض» إلى المفروض.. عندما نعود إلينا!.
- محمد المرزوقي