.د.عبدالله بن محمد الشعلان
تتجلى عظمة اللغة العربية وسموها ورفعتها أنها في المقام الأول اللغة الوحيدة التي اجتباها وخصها وشرفها رب العزة والجلال بأن تكون لغة القرآن الكريم، وذلك يتبدى في آيات كريمة وردت في عدد من السور، منها قوله تبارك وتعالى: «إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ? يوسف:2?» وقوله عز من قائل: «وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا» ?طه:113?، وقوله جل وعلا: «نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِين * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ» ?الشعراء: الآيات 193- 195?، وقوله أصدق القائلين: «كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ?فصلت: 3?.
ولقد تمكنت اللغة العربية منذ الأزل من أخذ مكانتها اللائقة بين اللغات العالمية الحية في مجالات العلوم والتقنيات الحديثة بجانب مكانتها السامية التي أحرزتها وتبوأتها عبر تاريخها الطويل في مجالات العلوم الدينية والشرعية، ناهيك عمّا وصلت إليه في ميادين الشعر والأدب والتاريخ والجغرافيا والرياضيات والفلك والطب والكيمياء والصيدلة.
كما أفادت اللغة العربية من الترجمة والتعريب مما زادها توسعا وانتشارا وعالمية وثراء، حيث إن اللغة العربية لغة مرنة وطيعة تقبل الألفاظ الأجنبية والمصطلحات التقنية، وذلك لسهولة النحت فيها والتصريف والاشتقاق والقياس، ومع ذلك فلا يتم القيام بعملية التعريب إلا عند الحاجة والضرورة. لذا يستحسن عند تعريب الألفاظ والمصطلحات الأجنبية أن يراعى ما يلي:
1) يفضل التغيير في شكل المصطلح حتى يصبح موافقًا للصيغة العربية ومضاهيًا لها، فمثلاً عندما ترجمت كلمة: تلفزيون إلى العربية وأصبحت (الرائي) لم تجد هذه الكلمة العربية قبولاً مستساغًا فكان لا بد من تعريب الكلمة الأجنبية مع بعض التغيير الذي يضاهي العربية فأصبح لدينا كلمة: تلفاز (وإن كانت غير مستخدمة على نطاق واسع). كما نجحنا في تعريب تلفون ليصبح: الهاتف (وإن كانت الأولى لا تزال مستخدمة كلفظها الأصلي) وكذلك: كمبيوتر إلى حاسب آلي أو حاسوب وكذلك راديو إلى مذياع. وعند تعريب المصطلح العلمي يمكن كتابته باللغة العربية بصيغة أو بناء يوافقه مع المحافظة على معناه ولفظه قدر المستطاع، فمثلاً كلمة: تلفزيجن عربت تلفاز، وكلمة: فيزيكس عربت فيزياء، وكذلك تكنولوجي أصبحت: تقنية وماستر صارت ماجستير وكوليج: كلية، وبتروليوم: بترول، وموتور نلفظها ماطور والأصح: محرك، وهكذا.
2) يجب اعتبار المصطلح المعرب عربيًا بحيث يخضع لقواعد اللغة ويجوز فيه الاشتقاق والنحت والتصريف وتستخدم فيه أدوات البدء والإلحاق مع مواءمته للصيغة العربية، وهنا بعض الأمثلة:
دكتور: يمكن جمعها جمع تكسير فتصبح: دكاترة.
بروتون: يمكن جمعها جمع مؤنث سالم فتصبح: بروتونات.
أكسيد: يمكن جمعها جمع مؤنث تكسير فتصبح: أكاسيد، يمكن اشتقاق فعل منها فتصبح: يتأكسد.
إلكترون: يمكن إلحاقها بأل التعريف فتصبح: الإلكترون.
3) يحب تصويب الكلمات العربية التي حرفتها اللغات الأجنبية واستعمالها باعتماد أصلها الفصيح، فمثلاً كلمة: syrup أصلها العربي: شراب، وكلمة: alcohol أصلها العربي: الكحول، وكلمة: gas أصلها العربي: غاز، وكلمة: arsenic أصلها العربي: الزرنيخ.
4) ثمة كلمات أجنبية دخيلة (وما أكثرها) اخترقت لغتنا العربية عنوة أو أقحمت دونما استئذان فاستباحت ساحتها وفرضت نفسها عليها واحتلت مكانًا بين مفرداتها، ويُعدُّ هذا أحد عيوبنا في السماح لها بل والترحيب بها ومن ثم استخدامها طوعا دونما وعي أن في العربية معان ٍ ومترادفات تحل محلها وتغني عنها، فخذ على سبيل المثال: لوجستي: عتاد، إثني: عرقي، برستيج: فخامة، كاريزما: جاذبية، ماراثون: سباق، كود: نظام، لوبي: تأثير، كلاسيكي: تقليدي، رومانسي: عاطفي، دراما: مشكلات نفسية وعاطفية، كوميديا: مرح، تراجيديا: مأساة، كنترول: تحكم، تكنولوجيا: تقنية. كما أن لكل مفردة عربية مترادفات متعددة. وثمة كلمات أخرى مستجدة لا مندوحة من إيجاد تعريبات لها مثل: مول وجاليريا وبلازا، إلخ.
ولعل من قبيل التقدير والاعتراف بالفضل والامتنان أن نذكر بعضًا من الجهات على سبيل المثال لا الحصر التي كان لها دور بارز ومحسوس ومؤثر في مجالات الترجمة والتعريب وتوحيد المصطلحات وتبني ونشر اللغة العربية، وهي:
1- معهد الملك عبد الله للترجمة والتعريب: أنشئ هذا المعهد عام 1433هـ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية تحت اسم معهد الترجمة والتعريب، وبصدور موافقة سامية في عام 1434 هـ أطلق عليه معهد الملك عبد الله للترجمة للتعبير عن الرسالة العالمية للمملكة العربية السعودية، من خلال سعي المعهد عبر جهود الترجمة إلى إيص ال منجزات العلماء والباحثين وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات والمراكز العلمية في المملكة في المجالات الشرعية والإنسانية والاجتماعية إلى المستفيدين في العالم قاطبة.
وكان ثمة إسهامات عدة لرسالة هذا المعهد يمكن اختصارها في أن يحقق رؤية المملكة في التواصل العلمي مع الدول المتقدمة للإفادة المتبادلة معها في دعم الحوار بين أتباع الديانات والثقافات. كذلك إثراء المحتوى العلمي والثقافي في التخصصات العلمية في الجامعة من خلال تعريب الكتب والمراجع العلمية المتخصصة وترجمة الدوريات العلمية والكتب والأبحاث المتميزة الصادرة في الجامعة إلى اللغات الأخرى، كذلك إعادة تعريب الكتب العلمية التراثية التي فقدت أصولها العربية.
2- الهيئة السعودية للمواصفات والمقاييس والجودة: دأبت هذه الهيئة الحكومية المعنية بالتقييس منذ إنشائها عام 1392 هـ على ترجمة الكثير من المواصفات القياسية الصادرة من الهيئة الدولية الكهرتقنية (IEC) لشتّى أنواع السلع الغذائية والمنتجات الآلية وتم مراجعتها وتدقيقها من قبل لجانها الفنية المتخصصة. وحرصًا من الهيئة على إنجاح عملية ترجمة المواصفات القياسية فقد سعت إلى إلحاق كل مواصفة بقائمة من المصطلحات الفنية، وكان لها تعاون وتنسيق في هذا المجال مع دول مجلس التعاون الخليجي ومع الدول العربية الأخرى في مجال تعريب المصطلحات الفنية وتوحيدها، ولم يقتصر دور الهيئة عند هذا الحد بل تجاوزه نحو التعاون مع الشعبة القومية المصرية في إيصال تلك المصطلحات المعربة إلى موقع الإلكتروبيديا (Electropedia) الخاص بالمصطلحات التقنية العالمية (IEV) التابع للهيئة الدولية الكهرتقنية لتحتل مكانا ضمن المصطلحات التقنية لعشر دول أوروبية أخرى.
3- مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية: قامت المدينة عام 1403 هـ بإنشاء قاعدة معلومات خاصة بتعريب المصطلحات العلمية بمسمى: «البنك الآلي السعودي للمصطلحات (باسم)» بأربع لغات لإثراء اللغة العربية وخدمة العلماء والباحثين والدارسين، وهذه القاعدة المعلوماتية تقوم على أساس موسوعي متكامل أتى نتاجًا لتعاون واسع ومكثف في مجال تعريب المصطلحات العلمية والفنية والتقنية مع العديد من المصادر والهيئات العلمية وبنوك المعلومات ومجامع اللغة العربية والجامعات العالمية إلى جانب الاستفادة من الجهود المبذولة والخبرات المكتسبة في الدول العربية في هذا المجال.