د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
لم يكن التفجير الآثم الذي استهدف مقراً أمنياً قرب الحرم النبوي الشريف في مدينة رسول الله ومهاجره عليه أفضل الصلاة والسلام سوى إحدى الموجات الفاشلة المتتابعة المعبأة داخل حاويات تصدير الإرهاب النتنة التي يحوكها مردة الشياطين وأعوانهم مهما اختلفت النعوت التي تطلق عليهم من الإرهابيين والانتحاريين والدواعش الماردين والقاسم المشترك بينهم أنهم حين يظهرون خلسة من الدروب الخلفية في بؤر ممتدة من الأرض يميناً وشمالاً فإن لكل مارد حكاية مصنوعة في سراديب الظلام تصبح بعد هلاكه مرآة يعكسون إطارات لضحاياهم في تلك المرآة حتى أصبحوا لا يملكون وجوهاً خاصة؛ بل أصبحوا مخلوقات نمت خلسة على أطراف الأرض ومن ثمّ انسلت مثقلة بقيود الأسياد المحرضين التي ما تلبث أن تُلقنهم الأوامر فيخرجون ويهلكون الحرث والنسل ويفسدون في الأرض إلى أن وصل إرهابهم إلى جوار ثاني الحرمين الشريفين في ليلة فضيلة من ليالي شهر رمضان.. يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «اللهم من ظلم أهل المدينة وأخافهم فأخفه, وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل».
وفي واقع المجتمعات اليوم أصبح أولئك الدواعش وكأنهم قد قدموا من كواكب أخرى، أو ربما اعتقدنا أنهم بقايا من العصور المظلمة قد زحفوا إلى العصر الحاضر بعدما خرجوا من مغارة علي بابا والأربعين حرامي، ويتبرعم كيانهم العابث كالنباتات الطفيلية في حدائق السلم والسلام، ويصنع نقائض الاستقرار الآدمي على وجه الأرض، كما يبث عبر أبواقه ما يزلزل تحقيق الأمن ويبث الهلع في نفوس الناس.
وأعلمُ أنه كثر المتحدثون غيري في تفسير واقع التفجيرات الإجرامية التي نفذتها الفئات الضالة في مواقع متفرقة في بلاد الحرمين، وكبر مقتاً أنها تجاوزت الحدود والحرمات، فاستباحت دماء المسلمين.. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه.
كما كان الحديث ساخناً حول أصابع الاتهام إلى من يصنع ذلك الكيان الدخيل القافز من المغارات والكهوف، ومن بؤر التخلف؛ وصرخ العالم بأسره عمن يدعم العبث الدموي السافر؛ وزمرة أخرى من الطروحات حول من يقلب له نصوص الشرع، ويدلّس عليه الحدود ويلوي له النصوص ليتلبّسها حين يتخطى حدود الإنسانية، ويقتحم على الأبرياء سكنهم وسكينتهم، ويزهق الأرواح ويفجر الأجساد أشلاء في بيوت الله التي يضيء فيها الإيمان، حيث المؤمنين على المحجة البيضاء ليلها كنهارها.
والطوق يتسع، والمصائد الداعشية ملأى بخشاش الأرض حتى تفشت الأوبئة في الأصقاع, ومسّ أهلنا القرْح كما مسّ القوم قرح مثله., ولما كنا نعلم ومازلنا أن ظاهرة الإرهاب الآن صناعة داعشية دون شك تسندها بعض التنظيمات الفاسدة الأخرى الطافحة على السطح؛ كما يُذكي أوارها واقع الأزمات الدولية؛ فأنتجت في أعماق السلام خنادقها الملأى بالفكر الضال حين أضعفوا في نفوس المنتمين لهم الإحساس بكفاءة المسلم، وقوته وقدرته على عمارة الأرض، وغيبوا أضواء الوطن وأنواره أمام أعينهم وهي لعمري كفلق الصبح، وقطّعوا أوصال الانتماء الوطني في وجدان ضحاياهم حتى توارت بالحجاب؛ فلا غرو أن القضية الأم التي لابد من الإحاطة بها وتصحيح واقعها هي قضية الشباب فهم مستهدفو داعش وبؤرهم القذرة في المقام الأول، ومن خلالهم وبهم يحقق الفصيل أهدافه، فلابد من صناعة الشباب الأسوياء، وهو مركب صعب وطويل سلّمه، ومكونات الصناعة هي الإحاطة بالزمان والمكان وأحداث الطفولة والمرافئ الاجتماعية والمادية والفكر ومصادره ومصانع التربية ومستويات الثقافة وتعدديتها, كل تلك العلائق المتوازية في صناعة فكر الشباب لها خلطتها الخاصة؛ وحتما فالشباب في جوف الوطن يظللهم وينبض داخلهم، ولابد من مشروع كبير لصناعة الشباب الأسوياء يبدأ وينتهي ببناء الفكر السوي والوجدان الندي الطاهر.