د. عيد بن مسعود الجهني
النفط كان ميلاده عام 1859م في ولاية بنسلفانيا الأمريكية وسعر عام 1860م بـ (9.59) دولارات للبرميل عند فوهة البئر في ذلك التاريخ من عمر النفط، وعبر قرن من الزمن تطورت صناعة النفط وتأسست الأوبك عام 1960م، هذه السلعة السحرية غيرت وجه الحضارة الإنسانية وأشاع نورها الدنيا كلها، لتصبح أكثر السلع تداولاً على المستوى العالمي.
ليس هذا فحسب صاحبة قوة ونفوذ وتأثير لا يخفى على أحد، وأهم العوامل التي لعبت دوراً خطيراً في صياغة السياسة العالمية خلال القرن العشرين، مما أكد بشكل لا نزاع فيه الإرتباط الوثيق للنفط بالسياسة منذ أوائل قرن النفط المنصرم مروراً بالحربين العالميتين المدمرتين ثم العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وما تلاه من عدوان إسرائيلي صارخ على العرب عام 1967 واستمراراً بحرب رمضان المبارك - أكتوبر الشهيرة عام 1973م.
وهكذا يبقى الذهب الأسود ليس مجرد مصدر للقوة في العالم بل وسيلة لتلك القوة أيضاً، فالنفط مادة هامة جداً تطال أهميتها جميع الأمم والدول والمجتمعات والشركات على وجه الكرة الأرضية.
هو (النفط) محرك أساسي للصراعات الدولية وتقاسم النفوذ، هذه السلعة النفيسة أغلى سلعة في التاريخ الإنساني يرى منتجوها أنها أغلى من الذهب الأصفر، والدول الصناعية المستهلك الرئيس لها ترغب الحصول عليها بسعر أقل من تكلفة الماء الرخيص في بلادهم إذا تحقق لهم ذلك.
فالأسعار المتدنية للنفط اعتادت عليها الدول المستهلكة له منذ عام 1861م عندما كان سعر البرميل أقل من دولار واحد وبقي على حاله هذه حتى 1879م ليبلغ (1.29) دولار، وفي عام 1900 انحدر إلى (1.19) دولار، وفي عام 1920 ارتفع ليبلغ (3.07) دولارات بعد أن انطفأت نيران الحرب الكونية الأولى، وبعد أن غابت شمس الحرب الكوينة الثانية وتحديدا عام 1948م بلغ السعر (2.18) دولار، ومن يستعرض تاريخ أسعار البترول يتضح له أنها بقيت على حالها متدنية حتى عام 1970 فقد كانت بحدود (1.81) دولار، واستمرت على هذا المستوى حتى عام 1973 عندما ارتفعت الأسعار لتبلغ (4) دولارات لتأخذ طريقها للارتفاع.
ومن أجل الأسعار والإنتاج عقدت منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) اجتماعها الأخير (169) في العاصمة النمساوية فيينا بتاريخ 2-6-2016م، الذي أبقى سقف الإنتاج على حاله، جاء الاجتماع في ظل استقرار نسبي لأسعار البترول التي شهدت تحسنا محسوبا خلال الأشهر الماضية حتى أنها لامست الـ (50) دولاراً للبرميل رغم تسابق بعض الدول لزيادة إنتاجها، فالعراق مثلاً في ظل تحسن الأسعار زاد إنتاجه بنسبة حوالي 50 في المئة ليبلغ (5) ملايين ب/ي، وكذلك روسيا وإيران والكويت والإمارات، لتعويض تراجع إمدادات النفط الصخري الأمريكي، وما تشهده كندا من حرائق في منطقة النفط الرملي (البرنا) والإضطرابات السياسية في فنزويلا وتعطل الإمدادات النيجيرية والليبية، وزيادة الطلب على نفط منطقة الخليج العربي خاصة من قبل الدول الناشئة وفي مقدمتها الصين والهند.
هذه المادة (النفيسة) أهميتها ومستقبلها وإنتاجها واستهلاكها وفناؤها حقيقة وخيالاً ومبارزة الزيت الصخري والرملي لها، ومعهما المصادر المتجددة، واللاعبون الرئيسيون الموجهون لسوق النفط الدولية ودورها المؤثر في السياسة والاقتصاد الدوليين، والتطورات المتسارعة في سوق النفط الدولية يتساءل الكثيرون عن إجابات لها ومن المتسائلين الاقتصاديين والإعلاميين والكاتب المعروف الأستاذ راشد الفوزان الذي نثر علينا أسئلة غاية في الحرفية والتخصص من خلال برنامجه الشهير (بموضوعية) بقناة CNBC عربية.. وجاءت إجابتنا مختصرة قدر الإمكان على أسئلته، ومما جاء فيها أن كل برميل من النفط يشكل أطماعاً ونزاعات وصراعات، لذا فقد شهدت حلبة الصراع العالمي على البترول معارك جديدة نوعاً وكيفاً، كان النفط هو القاسم المشترك فيها، وهو صراع استخدم لأول مرة أسلحة جديدة وأساليب مختلفة عن جميع الحروب السابقة، وقد ظهرت على ساحة الصراع قوى كل لها تأثيرها المباشر في سوق النفط الدولية في مقدمتها منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك) التي حاولت أن تفرض إرادتها على سوق البترول الدولية خاصة بعد حرب 1973 وثورة أول أسعار النفط لكن طموحاتها صُدّت، فهناك لاعبون آخرون يوجهون مع الأوبك دفة سوق النفط الدولية.
ومن هنا وقفت في مواجهتها وكالة الطاقة الدولية (IEA) التي تساندها الدول الصناعية الكبرى المستهلكة للنفط التي تمتلك في جعبتها أدوات عديدة مؤثرة من التخطيط والتنسيق، يقف إلى جانبها شركات النفط العملاقة التي تحمل جنسية الدول الصناعية تلك والتي تحظى بدعم قوى منها، وتعمل الدول الصناعية والشركات بشكل مدروس للتأثير القوي على أسواق النفط الدولية، ناهيك عن بورصات الدول الصناعية التي تقوم بدور مؤثر في حركة أسعار النفط وحجم الطلب عليه، وعلى الجانب الآخر وفي موقع متوسط تقف الدول المنتجة من خارج الأوبك ومنها روسيا والنرويج والمكسيك وغيرها من الدول التي تراقب الصراع من منظور المصلحة الخاصة بها.
هذا الصراع الواضح منه والخفي جعل حبل أسعار النفط الذي يمسك كل من هذه التكتلات بطرفه يتأرجح بين الصعود والهبوط في محاولة ليحقق كل طرف أكبر قدر من مصالحه -وكان ولا يزال وسيبقى كل من هذه التكتلات يتخذ قراراته حسب مقتضيات موقف كل من الأطراف الأخرى, ووقعت أزمات كثيرة- وكان لكل أزمة أجواؤها وأصداؤها ورائحتها ومذاقها.
وقد تنوعت أساليب كل طرف وأسلحته، فقد وجدت منظمة الأوبك أن التحكم في حجم الإنتاج وتحديد السعر هو الوسيلة والسلاح الناجع لضمان هبوط السعر إلى مستوى متدن، بينما كانت وكالة الطاقة الدولية (IEA) ترد على ذلك بأساليب الترشيد في استهلاك النفط وفرض الضرائب الداخلية على استخدامه، إلى جانب نشاطها في البحث والتنقيب وإيجاد مصادر بديلة على نحو يضمن لها استمرار إمدادها بالنفط الرخيص.
لقد وضح بلا مواربة في عالم السياسات النفطية سريعة الحركة التأثير الكبير لمعطيات أسعار النفط على الأصعدة السياسية والاقتصادية ودخلت القاموس السياسي تعبيرات جديدة وموضوعات جديدة فلا تخلو الكتابات المتخصصة عن النفط من الكلام عن (حرب الأسعار) والتي كان يتحكم فيها أطراف كثيرة ومن ضمنها الدول من كبار المنتجين وكبار المستهلكين إلى جانب شركات النفط الكبرى، والدول المنتجة خارج الأوبك، وقد أدى الصراع على الأسعار والإنتاج إلى حافة الهاوية على نحو أثر على الاستقرار في بقاع عديدة من العالم وأدى إلى العصيان المدني في بعض الدول الأوربية.
وتعد الهزة النفطية الأولى في أكتوبر 1973 القنبلة التي تفجرت لتعمق صراع النفط العالمي لأول مرة لتبدأ مرحلة تاريخية جديدة تدفع الأسعار صعوداً أو هبوطاً لتبدأ التحولات في عالم (الثروة) و(السلطة) التي بطلها النفط، وجاءت عوامل الإضطراب في إنتاج النفط الإيراني بسبب الثورة الإيرانية 1979 ثم الحرب العراقية - الإيرانية 1980 لتلعب دوراً بارزاَ في التعجيل بحدوث هزة نفطية ثانية فارتفعت الأسعار ارتفاعاً صارخاً في سوق التسليم الفوري (Spot Market) وواصلت أسعار العقود النفطية ارتفاعها لفترة ناهزت العشرة أشهر.. الأمر الذي جعل المملكة تنهج أسلوباً مرناً لجلب الاستقرار لسوق النفط الدولية التي اضطربت بشدة آنذاك فزادت إنتاجها النفطي للحيلولة دون حدوث هزة نفطية ثالثة، لتوفير إمدادات نفطية آمنة للدول المستهلكة والحفاظ على النفط كمصدر حيوي للطاقة على المدى الطويل.
وقد تكررت أزمة الطاقة وإرتفاع أسعار النفط عندما احتل العراق الكويت في الثاني من أغطس 1990 وإن كان ارتفاع الأسعار لم يدم طويلاً فعادت الأسعار إلى الاستقرار الذي يلبي رغبات الدول المستهلكة على الأقل، لكن أزمات النفط لم تتوقف فكان احتلال الولايات المتحدة ومعها بريطانيا لأفغانستان ثم للعراق صاحب إحتياطي نفطي (143) مليار برميل عام 2003 الشرارة القوية التي أحدثت صدمة نفطية أكبر من سابقاتها لتدفع بالأسعار عالياً بشكل متصاعد حتى بلغت 147.10 دولاراً للبرميل عام 2008 قبل الكساد الاقتصادي العظيم.
وفي عالم التقلبات النفطية سريعة الحركة في ظل موجة الاستخدام المسرف للطاقة خصوصاً البترول وتقلب أسعاره صعوداً وهبوطا وتأثيره البالغ في جسد الاقتصادات المحلية في الدول المنتجة له والاقتصاد الدولي في الدول المستهلكة خصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت بالأمس إمبراطورية نفطية كبرى حتى عام 1973 عندما انتزعت الأوبك هذا اللقب الكبير.
ويمكن القول إن الدول المنتجة خاصة الأوبك وروسيا والنرويج والمكسيك صادفت، سنوات سمان في أزمان صعود أسعار النفط، كما واجهت سنوات عجاف عندما تدنت أسعار النفط إلى (7) دولارات في أواسط الثمانينات، و (10) دولارات في التسعينيات من القرن المنصرم، فاهتزت ميزانيات دول الأوبك خصوصا المعتمدة بنسبة تتراوح مابين 85-95 في المئة على إيرادات النفط باعتبارها دول ريعية تعتمد على سلعة واحدة (النفط).
وفي السنوات السمان وما أكثرها دخلت خزائن تلك الدول أرقام فلكية من الدولارات، فعجزت عن استغلالها واستثماراها، فالمليارات من الدولار المريض التي حطت رحالها من الولايات المتحدة وأوربا واليابان والصين والهند وكوريا وغيرها، في خزائن دول الأوبك عاد جلّها إلى بنوك تلك الدول من خلال صناديق استثمارية مملوكة للدول أو من خلال استثمارات خاصة، فتلقت خسائر فادحة عندما هبت عاصفة الزلزال الاقتصادي عام 2008 كل ذلك لضيق قنوات الاستثمار وتغلغل البيروقراطية في دول النفط وتواضع الخبرة والاستفادة من العبر والدروس وعدم توافر خطط واستراتيجيات مستقبلية مدروسة بدقة وحصافة اقتصادية واستثمارية.
إن الكساد الاقتصادي العظيم الذي ضرب اقتصادات العالم في عام 2008 والتي بدأت رياحه العاصفة من الولايات المتحدة الأمريكية لتبلغ معظم اقتصادات الدول المتقدمة والناشئة والمتخلفة، حتى أن الولايات المتحدة الأمريكية ومعها بعض دول الإتحاد الأوروبي لا زالت اقتصاداتها تعاني من أثر ذلك الزلزال الكبير، فإذا كانت قطاعات العقارات والمصارف والشركات الكبرى في أمريكا آنذاك قد عانت كثيراً من آثار ذلك الكساد فإن دولاً في الاتحاد الأوروبي شارف اقتصادها على الإفلاس وفي مقدمتها اليونان.
ثم إن دولاً أخرى مثل إيرلندا وإيطاليا وإسبانيا وقبرص هي الأخرى طلبت نجدة دول الاتحاد الأوربي وفي مقدمتها ألمانيا، ويبدو أن الأزمة الاقتصادية لا تزال تلقي في ظلالها على بعض دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وستبقى حالة عدم اليقين هي السائدة لسنوات، ومن يتابع التقارير الصادرة عن صندوق النقد الدولي وتلك الدول حول نموها الاقتصادي يخرج بنتيجة حالة عدم اليقين تلك حول مستقبل اقتصادات دول أوربا ودول أخرى عديدة.
والنفط الذي يعد محركاً رئيسياً للاقتصاد الدولي رغم أن نسبة مساهمته في حجم التجارة الدولية انخفضت من حوالي 18 في المئة في الثمانينيات من القرن المنصرم لتصبح اليوم بحدود 8 في المئة، هذه السلعة التي تدور الأطماع والصراعات والحروب حولها، تتمركز قوتها ونفوذها في مساحة جغرافية محدودة في هذا العالم هي منطقة الخليج العربي الذي له السيطرة النفطية على الإحتياطي النفطي والإنتاج والتصدير إذ يبلغ إحتياطيه النفطي المؤكد 789 ملياراً برميل نصيب دول مجلس التعاون الخليجي حوالي 500 مليار برميل.
يبدو جلياً أن مستقبل النفط بقوته ونفوذه وصراعاته بالنسبة للعالم غنية وفقيرة يتركز بالخليج العربي، ولا انعتاق للدول الصناعية المستهلك الأكبر لهذه السلعة الاستراتيجية من إرتباط مستقبلها النفطي بنقطة الارتكاز الخليجية مادام أن النفط يمثل كل شيء بالنسبة للدول الصناعية ويزداد اهتمامها به يوماً بعد يوم.
وهذا يحتم على المنتجين الكبار كالمملكة والإمارات والعراق والكويت وقطر وإيران وضع خطط واستراتيجيات نفطية واقتصادية مؤهلة للتعامل مع كل المتغيرات في سوق النفط الدولية خدمة لمصالحها النفطية والاقتصادية والسياسية في المستقبل المنظور خصوصاً في ظل الصعوبات التي يواجهها الغاز رغم كونه الأنظف بيئيا والأمثل اقتصادياً وفنياً.. تلك الصعوبات المتمثلة في النقل والتي ستظل عقبة في توسع تجارته على المستوى الدولي، فهناك ما يقرب من الإجماع أن النفط سيبقى محتلاً الصدارة خلال المستقبل المنظور لتلبية احتياجات العالم من الطاقة.
ناهيك أن الطلب على الفحم لن ينمو بالنسبة نفسها التي ينمو فيها الطلب على كل من النفط والغاز لأسباب بيئية ماعدا في الدول كثيفة السكان كالصين والهند والتي لديها مصادر وفيرة من الفحم فإن استهلاكها منه سيستمر في النمو، رغم أنه يتوقع انخفاض نسبة استخدام الفحم في مكونات الطاقة الدولية، كذلك الحال بالنسبة للطاقة النووية التي يتوقع استخدامها خلال المستقبل المنظور بحوالي 0.4 في المئة سنوياً في المتوسط أما الطاقة المتجددة وأهمها الطاقة المائية فلا يتوقع أن تكون مساهمتها فعالة في مواجهة احتياجات العالم من الطاقة خصوصاً أن نصيبها من تلبية تلك الاحتياجات لا يزيد على حوالي 8 في المئة في الوقت الحالي.
وسيبقى النفط الخيار الأمثل بل والرئيس للوقود في العالم في القرن الواحد والعشرين الذي تنسحب عليه تسمية قرن النفط كالقرن المنصرم وهذا للمزايا والخصائص العديدة والمرونة التي تتسم بها تجارته في سوق النفط العالمية، خصوصاً نفط الخليج العربي باحتياطيه الضخم واستراتيجيته الهامة وبالأمس كان الكبار يتصارعون عليه من أجل الإستراتيجية واليوم من أجلها ومن أجل النفط.
وقد طورت الدول الصناعية أكبر مستهلك للنفط صناعاتها ومستوى المعيشة فيها واحد الأسباب الرئيسية النفط، وساهمت عن طريق شركاتها النفطية العملاقة في الاستثمار في بناء شبكة نفطية عملاقة في أنحاء متعددة من العالم تخدمها ناقلات نفط وخطوط أنابيب عملاقة لنقل النفط والغاز، ناهيك عن مناجم الفحم ومحطات توليد الطاقة... إلخ.
على الجانب الآخر إن الاكتشافات الأمريكية للزيت والغاز الصخريين لا يعني أن العالم قد يخرج من عباءة النفط التقليدي لأن عمليات الاستكشاف وتقويم الاحتياطي للزيت والغاز الصخريين خارج أمريكا ستأخذ وقتاً طويلاً، وتحتاج لاستثمارات كبيرة وبحوث جيولوجية متخصصة تثبت احتمال توفرهما تجارياً وتطويرهما وتأهيلهما للإنتاج، خصوصاً أن الصورة ليست واضحة عن حجم الاحتياطات من النفط الصخري رغم الاكتشافات المتطورة في دول مختلفة في العالم بلغ عددها (26) دولة.
وإذا كانت وكالة الطاقة الدولية تؤكد في تقاريرها الصادرة مؤخراً أن الولايات المتحدة ستصبح أكبر منتج للنفط على المستوى الدولي في عام 2017 وتقترب من الاكتفاء الذاتي بفضل زيادة في إنتاج الزيت والغاز الصخريين، فإن المعلومات الجيولوجية هي الأخرى تؤكد أن أمريكا بسبب عطشها النفطي قامت في السنوات الماضية في دفع عجلة سياستها النفطية في اكتشاف حقول بترول جديدة، ومن أجل تحقيق هذا الهدف الهام رفعت الإدارة الأمريكية الحظر عن بعض المحميات ومنح شركات نفط كبيرة رخصاً للتنقيب والاستكشاف فحولت مناطق كان يحظر فيها عمليات الاستكشاف إلى مناطق مفتوحة للتنقيب والاستكشاف لبعض الشركات.
على الجانب الآخر تمكنت بعض الشركات النفطية الأمريكية من اكتشاف حقول بترولية في المياه الإقليمية للولايات المتحدة في كل من خليج المكسيك بالقرب من ولاية كاليفورنيا وزيادة الإنتاج من محميات ولاية ألاسكا، كل تلك الجهود لكي تستغل أمريكا عن بترول الشرق الأوسط ضمن سياسات بترولية خططت لها الإدارات المتخصصة بالطاقة عموماً والزيت الصخري خصوصاً في الولايات المتحدة الأمريكية.
ورغم ما قيل وملأ الغمام حول اكتفاء الولايات المتحدة نفطياً من إنتاجها المحلي من البترول التقليدي والزيت والغاز الصخريين في السنوات القليلة القادمة وإن دولاً مستهلكة كبرى مثل الصين بالفعل تعمل منذ عام 1928 وتوقفت عام 1956 ثم عادت لتطوير صناعة الزيت والغاز الصخريين، إلا أن المصادر الصينية الموثوقة تؤكد أن إنتاج النفط من الزيت الصخري لكي يصبح مجدياً اقتصادياً يجب أن تكون أسعار البترول التقليدي ثابتة إلى حد كبير عند مستوى أعلى بكثير من سعر برميل النفط اليوم.
لذا سيبقى النفط هذه السلعة السحرية التي تعني القوة والنماء بل والكلمة الماضية أكثر السلع تداولا على المستوى الدولي وسيبقى صاحب القوة والنفوذ والتأثير، يلعب دوره الخطير في صياغة السياسة النفطية الدولية بل وسيمتد نفوذه إلى العلاقات الدولية للارتباط الوثيق للنفط بالسياسة منذ أوائل القرن المنصرم وحتى اليوم دوره حاضراً ومستقبلاً في صناعة اقتصادات الدول الصناعية المستهلكة والدول المصدرة له، وستستمر أسعاره محافظة على مستوى معقول يحقق لدوله مداخيل كبيرة لتدعم ميزانياتها خصوصاً إذا وضعت الخطط والاستراتيجيات لصناعة وإدارة هذه السلعة النفيسة أغلى سلعة عرفها التاريخ الإنساني.
والحقيقة أن النفط الذي أبهر عقول العسكريين في الحرب الكونية الأولى فكان سلاحاً ماضياً في حسم تلك الحرب وإدارة الصراع لصالح الحلفاء هو (النفط) الذي حسم الحرب المدمرة الثانية التي اعتمدت على النفط الأمريكي في حوالي 90 في المئة من احتياجاتها عندما كانت أمريكا إمبراطورية نفطية هائلة وحيدة فرضت إرادتها البترولية على الجميع دون منازع، كما تفرض إرادتها المفرطة بقوتها اليوم على كوكبنا الأرضي لتمثل حقيقة النظام الدولي الجديد.
والحقيقة الأخرى أن النفط من المصادر غير المتجددة ولن يقول خبير متخصص أن تلك المصادر ليست قابلة للنفاذ، لكن لا يجرؤ أي باحث في هذا الميدان (المعقد) بالقول بأن (النهاية) قريبة لأن هذا الرأي لن يصمد أمام الحقائق المعاشة فمنذ الخمسينيات من القرن المنصرم قيل أن النفط ظهر فجأة ونهايته ستكون فجائية بالطريقة نفسها، لكن حقائق النفط جاءت معاكسة لهذه النظرة التشاؤمية فاحتياطي النفط تضاعف عاما بعد آخر منذ أوائل القرن الماضي وحتى الألفية الثالثة.
إذا الاحتياطي النفطي الذي كان الاعتقاد السائد أنه في طريقه للنفاذ يزداد عاماً بعد آخر، بل إنه كلما زاد الاستهلاك العالمي زاد الاحتياطي المؤكد هو الآخر، ويتصاعد معه العمر الافتراضي للنفط، حتى أن إحتياطيه كسر حاجز (1.237) مليار برميل اليوم.
هذا المحيط النفطي يتركز حوالي 62 في المئة منه في منطقة الخليج العربي، ويكفي القول إن دولة مثل المملكة التي تملك أكبر احتياطي نفطي مؤكد عرفه تاريخ الصناعة النفطية أكثر من (265) مليار برميل، هذه الدولة الكبرى مرشح إحتياطيها للزيادة فقد جاء في الندوة التي عقدها مركز الدراسات الإستراتيجية الدولية في واشنطن الثلاثاء 24 فبراير 200، إن أعمال التنقيب والتطوير التي أنجزتها أرامكو السعودية في العقدين الماضيين رفعت تقديرات الحجم الإجمالي للنفط الخام في مكامنه السعودية من 600 إلى 700 بليون برميل وتوقع تحقيق نجاح مضاعف في الفترة المقبلة، ما قد يرفع التقديرات المطلقة التي تعزز تقديرات الاحتياطي بكل أنواعه إلى 900 بليون برميل بحلول سنة 2025 ومع تخطيط شركة أرامكو السعودية لإنتاج ما يصل إلى 15 مليون برميل يومياً سنة 2019 فإن الدول الصناعية تريد أن تنتج المملكة ما يصل إلى 19.5 مليون برميل نهاية 2020.
والله ولي التوفيق،،،