عرضت قناة الـ ( إم بي سي) في برنامج سيلفي (2) المجاعة التي تعرضت لها منطقة نجد في بدايات القرن العشرين الميلادي.. وكانت هذه المجاعة قد ألقت بظلها القاتم على تلك المنطقة، فأذابت الشحم وأكلت العظم.. لا يهمنا من زمن هذه الحقبة التي قد خلت إلا أخذ الموعظة والاعتبار، ولكن مضت تلك الحقبة بما كان فيها من بؤس وشقاء.. لكن ونحن اليوم نرفل بنعم تترى اناء الليل وكل النهار، فما هو علينا تجاه هذه النعم من واجب؟ لا أظن أن إجابة كل من لديه مسكة عقل ويقدر تقلب الليل والنهار وتداول الأيَّام إلا أن يقول إنه يجب علينا شكر المنعم وهو الله تعالى.. ولكن إن الشكر باللسان لا يكفي وحده وإنما الشكر الذي ندبنا الله إليه والذي تصان به النعم هو ذاك الشكر المنبثق من سويداء القلوب ويلامس شغافها. وإلا كان الشكر لا يعدو كلمة ليس من ورائها فائدة ترجى! إنما الشكر الذي تصان به النعم وتزداد به هو ذلك الشكر الذي يترجم بالأفعال لا بالأقوال.
إننا اليوم نرفل في نعيم ما بعده نعيم وترف ليس وراءه ترف ولم يقدم لهذه النعم أي شيء لتبقى لنا هذه النعم، وتبقى مركوزة في بلدنا قارة غير فارة.. بل على العكس من ذلك أرى بوادر كفر هذه النعمة بممارسة أفعال تؤدي بنا إلى زوال هذا النعيم، ومن هذه الممارسات سيل الإسراف الجارف المنقطع النظير في مناسبات ليست من دين الله في شيء، بل هي ممارسات اجتماعية ما أنزل الله بها من سلطان!! ومع هذا الإسراف فإنه توجد على الطرف الآخر حقوق معطلة تكمن كل هذه الحقوق مجتمعة في مبدأ واحد وهو مبدأ (التكافل الاجتماعي) الذي حثت عليه أديان السماء وانبرى لها ديننا الإسلامي.
إن مبدأ (التكافل الاجتماعي) قد غُيّبت معانيه ومعالمه بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى! فانعدمت المساعدة وتوارت يد العون ودفنت المروءة تحت حجاب تلك الممارسات التي ليست من صميم ديننا، بل هي ممارسات أقل ما يقال عنها أنها كفر بالنعمة.. إن النعمة لكي تبقى ولا تزول بل لكي تزداد ولا تنقص ما على الإِنسان على ظهر هذه الأرض إلا شكر المنعم، قال الله تعالى في وحيه الطاهر {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} (7) سورة إبراهيم، لكني أرى أن الشكر اليوم مفقود لعدم تكافل وتراحم المجتمع، فكم بالسجون من أناس عليهم ديون قد حلت لسبب أو لاخر، وكم من إِنسان في هذا المجتمع عزت عليه لقمة العيش الهنيئة، وكم من مريض يتأوه ولم يجد من يمد يد المساعدة.
إن الله تعالى يبتلي بعضنا ببعض ليعلم ماذا نفعل؟ فالله يبتلي الغني بوجود شخص فقير حوله والفقير بوجود شخص غني حوله ليرى الله موقف الاثنين من أقداره فيهما.. وإلا فالله لا يعوزه شيء قادر أن يغني الجميع فما من شيء إلا وخزائنه عنده. لكن الدنيا دار امتحان وابتلاء. وعوداً الى ما كنت بصدده بان النعيم الذي نرفل به لن نكون مؤدين شكره إلا بتفعيل مبدأ (التكافل الاجتماعي) وإلا رفعت عنا هذه النعم. إن شكر النعمة لا بد أن يترجم الى الأفعال الصادقة المنبعثة من نية واعية تدرك أن الذي أغنى باليوم قادر على أن يفقر بالغد، ولكم في مكر الليل والنهار وتقلب الأيَّام ومداولتها العظة والاعتبار وإلا أصبحنا موعظة للغير، والعاقل من اتعظ بغيره لا من اتعظ بنفسه.
إذاً يا قومي اشكروا نعم المولى تزداد لكم وتحفظ تقول العرب: (قيدوا أقصى النعم بشكر أدناها) وتردف تقول: (إن النعم إذا شُكرت قرت وإذا ُكفرت فرت).. إننا في هذا المجتمع المبارك نريد أن يوجد بيننا غنيّ شاكر وفقير صابر، غني يفيض من خيره إلى غيره وفقير يبارك للغني غناه هذا هو المجتمع الذي تسود فيه النعمة.