فوزية الجار الله
لكل بداية نهاية، هكذا مضت اللحظات والساعات والأيام..
انقضت ليالي رمضان المضيئة بالدعاء المتواصل المتصاعد من المساجد والذي غمر الأجواء بهجة و روحانية يصعب تكرارها، انقضت أيام الشهر واحتفلنا بالعيد..
وفي لحظة انتابني شعور طفيف بالوحشة والكآبة مثلما يحدث للكثيرين، لا أعلم لماذا ورغماً عنا حين يأتي العيد ورغم الفرح الذي نجتهد لإظهاره إلا أن ثمة لمسة حزن شفيف يختبئ هنا أو هناك لابد أن يتسرب إلى الروح في لحظة فيُشعرك بمرارة الفقد وفراغ اللحظة، ليس ثمة سبب واضح قوي لكن ثمة شيء ما في الأعماق يبعث الحزن في نفسك، تحاول قدح الذاكرة للبحث عن سبب ربما كان خفياً فلا تجد.
صحوت ثاني أيام العيد وفي داخلي بقايا كآبة البارحة - ورغم أن لدينا مساء ذلك اليوم وعداً بمتابعة احتفالنا بالعيد - أوه.. يالله.. أحاول استعراض بعض الأنشطة للتخفيف منها أو القضاء عليها تماماً مثلاً: القراءة، السفر، محادثة صديقة اشتاقت إليها روحي منذ زمن، تغيير بعض أثاث المنزل أو إعادة طلاء جدران غرفتي على سبيل المثال لكن كيف ومدينة الرياض تلتهب حراً وهذا التغيير يحتاج منك إلى كثير من مجهود معنوي ومادي قد لا تحتمله في مثل هذا الطقس.
أثناء تقليب قنوات التلفاز وأنا أرتشف فنجاناً من قهوتي الصباحية، توقفت صدفة أمام أحد البرامج الذي تضمن قيام إحدى المذيعات الجادات بزيارة ميدانية إلى واحد من مخيمات اللاجئين السوريين على حدود تركيا للحديث معهم، بداية تحدثت المرأة عن معاناتها وهي تفترش بساطاً متواضعاً على الأرض، تسألها المذيعة ماهي أشد الأمور مصدراً لمعاناتها فتقول بأن أكثر شيء يؤلمها ويخنقها حين يشتكي أطفالها الجوع وليس لديهم طعامٌ في ذلك اليوم وهي لاتملك شيئاً ثم تتحدث عن بطاقات التموين التي تمنحها إياهم الأمم المتحدة وتتضمن 21 دولاراً شهرياً لكل فرد عليهم أن يحصلوا من خلالها على التموين ويُحظر شراء أدوات النظافة منها، هي للطعام فقط ! ثم تحدثت بأنها اضطرت لتزويج ابنتها الشابة الصغيرة بسبب الحاجة وأن هذا الزواج لم يستمر حيث تم طلاقها بعد شهر.. التفتت المذيعة إلى الشابة الصغيرة ألقت إليها سؤالاً، استكانت إلى الصمت، ثم أخفت وجهها بيديها وانخرطت في البكاء، لم تستطع أن تتفوه بكلمة واحدة بل انسحبت إلى الداخل..
بعدها التقت بأحد الرجال الذي بدا متماسكاً في البداية وهو يتحدث عن آلامهم ومعاناتهم ثم أردف قائلاً: ليس أمامنا سوى ثلاثة حلول، إما العودة إلى سوريا وهذا مستحيل، أو الهجرة إلى أوروبا وهذا مستحيل لابد له من سلسلة إجراءات معقدة لعل أحدها أن يكون لديك واسطة قوية، وفي النهاية خذلت الرجل دموعه وبكى وهو يكرر حمده لله ويقول: أنا لا أريد من المشاهدين سوى الدعاء لنا.. كان المشهد مؤثراً جداً اختنقت ألماً وشعرت بالخجل من تلك الكآبة العابرة التي رافقتني منذ البارحة حتى مشاهدة هذا البرنامج.. هكذا أصبحت حال أشقائنا السوريين بعد الفلسطينيين والعراقيين، تشرد ولجوء ومعاناة الله وحده يعلمها، اللهم قيض لهم فرجاً ونصراً قريباً، اللهم أخرجنا جميعاً من دائرة الضعف والهوان إلى فضاء القوة والتمكين يارب العالمين.