(أغنية «غرناطة» لكاظم الساهر كلمات الشاعر المبدع الراحل نزار قباني) أقل ما توصف به أنها رائعة ووقع كلماتها الجميلة يحرك أحاسيس كل عربي وكل مسلمٍ حقيقي، فيعتصر قلب كل عربي آلام ضياع ذلك المجد القديم الذي نشر ديننا الاسلامي في أرجاء هذا العالم فامتدت فتوحاتنا فيه من مشارق الأرض إلى مغاربها.
في مدخل الحمراء كان لقاؤنا
ما أطيب اللقيا بلا ميعاد
عينان سوداوان ما أحلاهما
مثل الشموع بليلة الميلادِ
هل أنت إسبانية؟ سائلتها
قالت: وفي غرناطةِ ميلادي
غرناطةٌ؟ وصحت قرونٌ سبعةٌ
في تينك العينين.. بعد رقاد
في مدخل الحمراء كان لقاؤنا
ما أغرب التاريخ كيف أعادني
لجميلةٍ سمراء من أحفادي
ورأيت منزلنا القديم وغرفتي
كانت بها أمي تمد وسادي
سارت معي.. والشعر يلهث خلفها
كسنابلٍ تركت بغير حصاد
قالت: هنا «الحمراءُ» زهو جدودنا
فاقرأ على جدرانها أمجادي
أمجادها؟ ومسحت جرحاً نازفاً
ومسحت جرحاً ثانياً بفؤادي
في مدخل الحمراء كان لقاؤنا
ومشيت مثل الطفل خلف دليلتي
وورائي التاريخ كوم رماد
يا ليت وارثتي الجميلة أدركت
أن الذين عنتهم أجدادي
في مداخل الحمراء كان لقاؤنا على أنغام هذه الأغنية التي أشعرتني بغصةٍ في الحلق مع ختامها
عانقت فيها عندما ودعتها
رجلاً يسمى «طارق بن زياد»
وصل إلى مسمعي صوتٌ من مكان قريب لإحدى الشيلات التافهة -وعذراً لهذا اللفظ!!- شيلة كلماتها لا تحمل أكثر من مجرد تفاخر بالأنساب والقبائل!!
حينها زادت الغصة في حلقي واعتصرت الحسرة قلبي وأدرك أننا أضعنا عزنا ومجدنا السابق وما يجب أن نفخر به حقاً لنتقوقع في ظل عادات جاهلية نهى عنها ديننا الكريم، ولم نحققها بجهد أو تعب!!
فقد ولدنا ونحن أبناء أشخاص من هذه القبيلة!! وهم قبلنا كذلك وأجدادهم كذلك وبدأنا في المفاخرة والتنابز بالألقاب في اعتقاد أننا بذلك أفضل وأحسن من غيرنا!!
فأضعنا تاريخاً عريقاً تعب أجدادنا الأوائل في صنعه ورسمه حينما كنّا وقتها سادة العالم وملوكه نأمر فنطاع، لنصبح في ذيل القائمة ونصبح أتباعاً بعد أن كنا أسياداً!!
كل ذلك لأننا تركنا الأصل الحقيقي وهو المفاخرة بالإنجازات والنتائج والعلم والثقافة، وبدأنا نتفاخر بما لم نتعب في الحصول عليه ولم نختره بيدنا بل ولدنا ووجدنا أنفسنا فيه!!
واخترنا الطريق السهل الذي لم يكلفنا نحن ولا آباءنا أي مجهود، فنشأنا وأنشأنا جيلاً ضعيفاً أضاع أمجاده وإنجازاته، جيل لا يحمل أي قناعات راسخة فأصبحت أيدي العابثين تحركه وتبدل أفكاره ومعتقداته بسهولة وتعبث به كدمى الماريونيت -دمى الخيوط- يحركونه حيث يشاؤون لينفذوا مبتغاهم ويدمروا المجتمعات من الداخل قبل الخارج.
لنقف وقفةً صريحة مع الذات لنعرف أساس الخلل وما أضعناه وما سنضيعه إذا استمررنا على نفس النمط.
ليقف كل أب وكل أم وكل مرب يبحث عن أساس الخلل داخله الذي زرعه ولا زال يزرعه في نشء جديد غض كثير منهم انقاد للفكر الضال وسَهُلَ التحكم به من خلف شاشات الأجهزة الإلكترونية لسبب رئيس -إضافة إلى الأسباب الأخرى التي نعلق عليها فشلنا وضياع لبنات المستقبل- ألا وهو (أننا أضعنا أمجادنا الحقيقية وأُسُسُنا الصحيحة النابعة من الدين الاسلامي الصحيح) واكتفينا بعادات جاهلية نهى عنها ديننا الحبيب.
مجتمعي.. أفق من سباتك!!
شذا عبد العزيز العجلان - ماجستير علم نفس - محاضر بجامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية