«الجزيرة» - الثقافية:
في تظاهرة علمية لغوية أحياها الشيخ المحدث اللغوي صالح اللحيدان مدينة الطائف من خلال الجامع الكبير بالحوية بالطائف، ، تطرق خلالها إلى مستجدات علمية في أصول سياسة العلم وسياسة اللغة.
وكان قد حضرها كثير من المسؤولين والمعنيين بمثل هذا الأمر، فقد حضر الشيخ خالد العوفي الثقفي من محكمة الطائف الشرعية والدكتور سهل العتيبي من جامعة الطائف، وكذلك حضرها مندوب عن مكتب الجزيرة عليان نيابة عن حماد السالمي مدير المكتب، وجملة من المشايخ والأدباء.
وقد كان أصل هذا هو إلقاء كلمة علمية، استطرق فيها حسب هذه النقاط بما يأتي:
أولاً: أن على العلماء والمعنيين بشؤون العلم والتحقيق اللغوي أن ينظروا إلى ضرورة النظر في المصادر القديمة كافة، ولا يعولوا على الكتب المعاصرة إلا من باب الوقوف على حسن التبويب والشرح الذي لعل كثيرًا منه إنما أخذ من المتقدمين.
وهذا كما قال سماحته جعل كثيرًا من العلماء والمحققين - بما في ذلك الهيئات العلمية والمجامع اللغوية - يتراجعون أحيانًا عن بعض الاجتهادات المنصوص عليها.
ثانيًا: تطرق إلى أمر ذي بال بشأن تأصيل المسائل، ومعرفة الواقع الذي يجب أن ينزل عليه النص من أجل توافق النص مع الواقع، وتوافق الواقع مع النص، وهذا أمر لا بد أن يقف عليه العلماء والمحققون ورؤساء المراكز والهيئات البحثية العلمية.
لأنني (كما يقول سماحته) قد رأيت ترك مثل هذا الأمر يولد الأساليب المتكررة والأساليب الإنشائية، ويقع لكثير منهم التكرار وإن اختلف الأسلوب.
ثالثًا: وفي هذه التظاهرة الجديدة التي حضرها جل أهل الطائف بيّن أن العقل وسلامته من المعارض وصفاء الذهن وقوة القريحة وكثرة النظر والمراجعة والاستشارة لذوي الاختصاص الدقيق وإن لم يكونوا من المشهورين هذا أمر يولد التجديد النوعي وليس مجرد نقد بعض المتقدمين أو نقد بعض ما جاء في آثارهم (فإن الأول لم يترك للآخر شيئًا).
من أجل ذلك فإن من ضرورة القفزات العلمية العاقلة المركزة بعيدة الغور سلامة العقل مع تمام التجرد والشفافية؛ ولهذا نجد في هذا الحين كثيرًا من الاختلافات بين عالم وعالم، ولغوي ولغوي، ونحوي ونحوي، وإنما سبب ذلك أو لعله سبب إنما دفع إلى هذا عدم تأصيل المسائل، وعدم تقعيدها، وعدم سعة الاطلاع على المسألة من المصادر كافة عند المتقدمين في العهود الخالية. وإذا كان المتقدمون - كما يقول الشيخ الدكتور صالح - هم الأصل في وضع القواعد والأسس فليس معنى هذا أنهم لا يخضعون للدراسة والنظر، لكن على من يريد هذا من المعاصرين أن يرقى صعدا إلى مصافهم في قوة العلم والاستحضار والحفظ والفهم ومعرفة ضابط سياسة العلم التأصيلية. وهذا أصل لا بد منه (لأن من حفظ حجة على من لم يحفظ).
رابعًا: وشدَّد في كلمته العلمية في جامع الحوية الكبير (جامع العمري) على ضرورة معرفة آراء ونظريات كبار العلماء منذ زمن عروة بن الزبير والحسن البصري وأبي إسحاق السبيعي وعروة بن المغيرة وعامر بن سعد بن أبي وقاص وأبي العالية وابن أبي مليكة، ومن بعدهم بزمن كشعبة بن الحجاج وشعبة بن عمر وابن قتيبة والأصمعي وابن فرحون والقرافي، وكذلك ما جدد فيه (السيرافي صاحب شرح الكتاب لسيبويه)، وكذلك ما وضعه الإمام ابن جني والفراء، وكذلك ما أسسه في أصول علم الأسانيد والرواية والدراية ابن خلدون في المقدمة واللالكائي والمستملي والهيثميي، وسواهم يعرفهم السواد الكثير من العلماء والمحققين.
ذلك أن الدراسات العلمية لهذا الأمر تصاحبها الدراسات النفسية التحليلية المكيثة، فإن من تمام ضبط العلم مع الحفظ والفهم إنما هو دائمًا يكون بلازم الثقة في النفس وتمام التجرد وصدق التلقي مع حرية العقل المطلقة في الاطلاع والنظر والاستنتاج.
خامسًا: دعا سماحته المعنيين بشؤون العلم والأدب، خاصة الذين يتولون تحقيق المسائل العلمية وفقه المستجدات، إلى أن من طابع التجديد ضرورة (فقه الواقع)، مع ضرورة طول التأني وبعد النظر وعدم التحزب لرأي أو نظرية؛ فإن من صفة ذلك أن يكون العلم ذا نزعة صحيحة، يقبلها العقل، ولا يردها القلب، وتأخذ بها العاطفة أخذًا مكيثًا.
سادسًا: سُئل سماحته عن بعض الأسماء؛ لأن واقع هذا اللقاء يوجب تبيين أساسيات علم الرجال والرجح والتعديل، ولاسيما والشيخ من قرناء الألباني، وله في الجرح والتعديل وتراجم الرجال وفقه الحديث الشيء الكثير، وإن كان يعزف عن الظهور كثيرًا.
فقد سئل:
أولاً: بخيت المطيعي.
قال: من شيوخ الأزهر ومن علماء الحديث الكبار.
ثانيًا: المبارك فوري.
قال: من علماء الهند الشارحين للحديث فقد شرح (سنن الترمذي) شرحًا جيدًا.
ثالثًا: محمد بن إبراهيم.
فقال: كان والدي وأنا في الأولى متوسط في سنة 86 للهجرة يدفعني إليه، وقد لمست منه سعة العلم، خاصة في الفقه الحنبلي، ولديه سعة في العقل والدهاء والقطع في الأمور.
رابعًا: ياسر الحبيب.
قال: هو في أصله ليس من الكويت؛ فإن أحد أجداده الأقدمين جاء من إيران إلى الكويت، وقد سكن لندن الآن، وهو رجل يجهل حقائق العلم، ولعله موجه توجيهًا لم يدركه بعد، وحتى لو أدركه فإن طالب السمعة والمشيخة قلّ أن يريد الحق أو يريد الخير، وقد لمز في نسبه كثيرًا، ولديه إسقاطات نفسية من أجل ذلك يتهم عائشة وطلحة والزبير وعثمان بن عفان. وقد تابعت بعض لقاءاته فوجدته يقلد كثيرًا مشايخ الشيعة في حركاته وفي لغته، ولعله حسب تحليلي النفسي له لديه انفصام في الشخصية من الدرجة الثالثة؛ فقد سمعته يشتم ويلعن ويقبح كثيرًا، وهذا أمر في الطب النفسي التحليلي إسقاط لا شعوري. ولما كان هذا يفوته فقد قدم نفسه للتاريخ بأنه في حال سفه.
خامسًا: صالح بن حمود اللحيدان
هذا من القضاة الكبار؛ فقد ترأس محكمة الدمام، وفيما بعد هيئة التمييز في منطقة الشرقية، ثم آثر التقاعد، وهو من العلماء الذين يكرهون الظهور، والعمل بالتجارة، وهو رجل مقبول متواضع، جمع بين الفقه وأصول الفقه.
سادسًا: عبدالمحسن العباد
حينما كنت ألقي الدروس بالحرم النبوي بين عام 17 و29 للهجرة كان له كرسي يجلس إليه الطلاب، فهو - فيما أعلم وسمعت - من العلماء الزاهدين، جمع بين العلم رواية ودراية.
سابعًا: عبدالله خياط
قال عنه الشيخ صالح: عرفته قديمًا، وعرفني عليه صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن بالعزيز وسطام - رحمهما الله جميعًا - وقد كان يسكن في بيت في الشميسي حينما يأتي إلى الرياض لهيئة كبار العلماء، وقد ناقشته كثيرًا فوجدته يتصف بالهدوء والسكينة وجمال القراءة، وكان شديد الحياء مع شخصية نافذة، وقد دامت علاقتي به إلى أن توفي - رحمه الله -.
ثامنًا: عبدالعزيز السبيل
هذا من القضاة في البكيرية، وكنت أجلس إليه من سنة 84 وأنا في العاشرة من العمر، وكان يقربني كثيرًا، وكنت أجلس إلى بعد المغرب (في سطح جامع البكيرية الكبير)، وكان كثير السمت والدل والرفق، وقد قرأت عليه 3 سنوات كتاب التوحيد لابن خزيمة وكتاب الإيمان من صحيح البخاري وكتاب الطب من صحيح مسلم، وقرأت عليه العقيدة الوسطية خمس مرات، فهو لدي ثقة.
تاسعًا: أحمد أمين
هذا ذكرته في كتابي (نقد آراء ومرويات العلماء والمؤرخين)، وبيّنت أنه أديب وكاتب جيد وواسع البال لولا ما وقع لديه في بعض كتبه من الآثار الضعيفة والآراء التي تحتاج إلى مراجعة شديدة، خاصة حول مذهب المعتزلة والجهمية.
عاشرًا: ابن ماجة
قال - حفظه الله -: رجعتم بنا إلى الأول (ابن ماجة من أئمة الحديث الكبار، له كتاب السنن، وهو ليس من أصحاب الكتب الستة، إنما جعله منها الإمام ابن طاهر لما رأى أنه يوافق البخاري ومسلم، والثلاثة يوافقهم في كثير من الرواة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. وابن ماجة إنما اسمه عبدالله بن محمد بن يزيد، وقدم في كتبه السنن بعض الأحاديث الضعيفة.
الحادي عشر: غنيم المبارك
هذا من أهل مدينة الهلالية قرب البكيرية، كان رئيسًا لمحكمة الطائف، ثم عضوًا في مجلس القضاء الأعلى، وهو من قرناء الشيخ صالح بن محمد اللحيدان رئيس مجلس القضاء الأعلى سابقًا. وغنيم المبارك من كبار العلماء وكبار القضاة، وقد استفدت منه كثيرًا، خاصة في كتابي (حال المتهم في مجلس القضاء)، وله آراء جيدة في تأصيل المسائل القضائية.
الثاني عشر: عبدالمجيد حسن
هذا إمام الحرم النبوي، ثم انتقل إلى الرياض بعد اختياره عضوًا في هيئة كبار العلماء، وقد جمع بين العلم وحسن الخلق وشدة التواضع، وله آراء جيدة في فقه النوازل، خاصة (التأمين)، الذي نظرته هيئة كبار العلماء في أكثر من جلسة.
الثالث عشر: ثم سئل سماحته عن عيون الأخبار فقال:
هو للإمام ابن قتيبة العالم الأديب اللغوي. وعيون الأخبار كتاب ليس بوسع أحد إلا أن يطلع عليه؛ لما حواه من الروايات والحكم والأمثال. ولما كان ابن قتيبة من العلماء المتقدمين فإنه في كتابه هذا قد أخذه من أصول ومصادر، لعل كثيرًا منها لا يتطرق إليه الشك.
وفي ختام هذه التظاهرة تم توزيع الجوائز العلمية على حفظة كتاب الله من الذين اجتازوا الحفظ، وكذلك تم توزيع بعض الجوائز على بعض الحضور الذين شاركوا في هذه التظاهرة.
وقد دعا سماحته إلى أن تكون النوادي الأدبية ذات عطاء تجديدي متجدد، وتبعد كل البعد عن الطرح العجول وعن المنافسة فيما بينها، وإنما تكون الحياة بإذن الله تعالى في التجديد من خلال الطرح العلمي والثقافي اللذين يجب أن يكونا على حال مهمة من التطور النوعي ومن تحقيق النص وتحقيق المناط. وأضاف بقوله: لا بد أن يكون في كل نادٍ نخبة مرموقة، تراجع وتنظر الكتب والرسائل؛ حتى لا يصدر شيء إلا بعد تحقيق الآثار والنصوص بخالص من العمق.