د. خالد محمد باطرفي
إيران غاضبة من مشاركة الأمير تركي الفيصل كمتحدث رئيسي في مؤتمر المعارضة الإيرانية «إيران حرة» بباريس، واتهمت وزارة الخارجية في بيان رسمي المملكة بدعم الإرهاب واستخدامه كأداة في صراعها مع إيران، وذهب محسن رضائي، أمين عام مجلس تشخيص النظام، إلى اعتماد المشاركة دليلا على إدارة السعودية لجماعات المعارضة في كافة مناطق إيران، ودعمهم مادياً وعسكرياً.
الغريب أن إيران لم تجرؤ على انتقاد فرنسا التي استضافت المؤتمر، ومنحت التأشيرات لأكثر من مئة ألف مشارك من أنحاء العالم، ولا انتقدت أمريكا وكندا والاتحاد الأوروبي والدول الآسيوية والإسلامية والعربية التي شارك متحدثوها في المؤتمر، واكتفت فقط بالاحتجاج ضد المملكة، رغم أنها لم تكن ممثلة رسمياً.
والأغرب أن إيران التي تفاخر بدستورها الذي يشرعن تصدير الثورة والتشيع إلى دول الجوار، ودعم «المستضعفين» ضد حكوماتهم، تعتبر أن دعم الآخرين لمستضعفيها وضحاياها في الداخل والخارج، ولو معنويا، يعتبر خرقا للقانون الدولي وحسن الجوار!
تفسير ذلك هو أن نظام الملالي الذي يعتبر نفسه ممثل الله في الأرض، وخليفة الإمبراطورية الساسانية، يضع قادته فوق مستوى البشر، ويمنحهم العصمة من ارتكاب الأخطاء والذنوب، ويستثنيهم من الأحكام والقوانين التي يطبقونها على الآخرين. وهذا هو المعنى الحقيقي للاستكبار، الذي يتهمون به ما يسمونه «الشيطان الأكبر»، الولايات المتحدة.
والولي الفقيه يدعى أنه على تواصل مع الإمام الغائب (الذي دخل السرداب منذ 1100 عام وتنتظر عودته)، وأنه يتلقى أوامره مباشرة منه، ومن الأئمة المعصومين.
هذا الإدعاء يعطي المرشد الأعلى للثورة غطاءاً دينياً لممارسة تأله أكاسرة الساسنيين. أما الديمقراطية فهي مجرد واجهة للإدعاء بأن إرادة الشعب هي الحاكمة، ذلك أن اختيار المرشد الأعلى يتم من خلال مجلس خبراء غير منتخب، ومع ذلك يفرض إرادته على كل مفاصل الدولة، من الجيش والحرس الثوري والداخلية، إلى البرلمان ومجالس الحكم، وحتى الشؤون الخارجية والاتفاقيات الدولية. وهو الذي يقرر من يحق له المشاركة في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ومن يبقى في منصبه أو يفصل، ومن يذهب إلى السجن أو المشنقة، بل ومن يدخل الجنة أو النار.
لذلك لا يستغرب ممن هدد في العشر الأواخر من رمضان، بإشعال الخليج، وقلب أنظمة الحكم فيه، اعتراضا على شئون داخلية، أن يعتبر مشاركة شخصية سعودية في مؤتمر معارضة سلمية مخالفا للقانون الدولي.
ومعاناة الأقليات والطوائف في إيران حقيقية وموثقة دوليا. فالسنة في إيران يمثلون ربع السكان (عشرين مليونا)، منهم مليونا مواطن يعيشون في طهران، ومع ذلك يحرمون من بناء المساجد وأداء صلوات الجمعة والعيد. وقد وعد الرئيس حسن روحاني في الانتخابات الرئاسية الماضية بحماية حقوقهم، وكانت النتيجة أن المسجد الوحيد الباقي، رغم صغره، تم هدمه. فيما يتمتع اليهود والنصارى بكافة الحقوق الدينية، ولهم في طهران وحدها عشرات الكنائس والمعابد.
والعرب الذين اُحتلت بلادهم «عربستان» عام 1928م، يحرمون من تعلم العربية، وتسمية أبنائهم ومدنهم وقراهم والتكلم بها، وطباعة وتداول كتبهم ولبس الثوب العربي، والوصول إلى المناصب العليا. ورغم أن بلادهم تحوي معظم حقول النفط والغاز ومحطات الطاقة النووية وتشكل الإطلالة الوحيدة على الخليج العربي وبحر العرب، إلا أن نصيبهم من الثروة الوطنية ضعيف. ومن حقهم علينا أن ندعمهم بكل الوسائل الممكنة للتحرر من الاحتلال الإيراني، بدءاً بضمهم لجامعة الدول العربية.
ونفس المعاملة العنصرية تنالها الشعوب المحتلة الأخرى الأفغانية والبلوشية والتركية والآذارية والكردية، خاصة السنية منها. ولا يستثنى من ذلك إلا العرق الفارسي الشيعي، ومعه اليهود والمسيحيين تزلفا لإسرائيل والغرب. ولكن حتى هؤلاء محرمون من التنمية والرخاء والحرية، في ظل نظام ديني متسلط، قائم على رعاية الإرهاب وتصدير الفتن والثورات.
على أن أكبر المفارقات أن فرنسا التي استضافت آية الله الخميني في نهاية السبعينات، وسمحت له بإدارة الثورة ضد الشاه، وأمريكا التي وعدته بتحييد الجيش، والدول الغربية التي تآمرت معه على نجاحها، يأتي ممثلوها اليوم إلى باريس ليدعموا المعارضة ضد نظام الملالي. وستكتمل المفارقة عندما يتحقق النجاح وتنقل طائرة مريم رجوي ورفاقها إلى طهران المحررة، لتقود حركة التغيير الديمقراطي فيها.
أدعو الله أن يتحقق أمل الشعب الإيراني الشقيق في التخلص من كربته، واليقظة من كابوسه، والعودة إلى رحم أمته، وأهله وأشقائه وجيرانه، إنه سميع مجيب.