علي الخزيم
أفطح وفَطِحٌ: تعني العريض، كالرأس والأنف، ومنه جاءت كلمة (مفطح) الدارجة بأنحاء كثيرة من السعودية، وجمعها مفاطيح، وهو أسفل ظهر الخروف مع الوركين والفخذين إذا وضع الخروف المطبوخ كاملاً على آنية الأرز وكأنه رابض، وكان الناس بالمملكة والخليج وبعض الدول العربية إذا عزموا على إكرام ضيفهم ذبحوا له خروفاً أو أكثر حسب قَدْرِه ومكانته وبقدر استطاعة المضيف وحالته المادية، ولمن لا يعرف المفطح؛ فهو خروف يشوى أو يطبخ كاملاً، ويوضع فوق طبق مناسب من الأرز المزيّن بالمكسرات والبهارات المُعدة بطريقة خاصة لهذه الوجبة الدسمة، ويمكن التفنن بإضافات مختلفة كتجميل الطبق بحلقات الطماطم والبصل والفلفل حاره وبارده، ويلاحظ أن عمالة وافدة امتهنت الطبخ بالمطابخ التجارية دون مهارات وخبرات سابقة أخذوا يتذاكون بابتداع تحسينات على المفطح السعودي وإضافة أشياء قد لا تكون مقبولة أو مستساغة؛ وذلك بزعمهم لاجتذاب المزيد من الزبائن، وقد يلاحظ البعض في كثير من المناسبات الشعبية تقديم أصناف من الجريش والقرصان إلى جانب المفطح، ولكن بطريقة بدائية لا تنم عن أي معرفة بطبخاتنا لدى هذه العمالة مما يجعل هذه الأطعمة تُحَوّل إلى حاويات النفايات ثم تصويرها ونشرها في مواقع التواصل والتعليق عليها من كثير من المتذمرين، وليس هذا فحسب، بل إن مفاطيح شبه كاملة كان مآلها الحاويات، لأن عرفاً وتقليداً يُكبّل عقولنا بأن الإكرام يكون بالمفطح خروفاً أو جملاً، وقد تتعدّد الخراف كلما زاد ضغط التمسك بالتقاليد عند البعض، هي أعراف وتقاليد جميلة في زمنها وظروفها الماضية، أما الآن - ولله الحمد- فواقع الحال مختلف تماماً، والناس تأتي للمآدب وهي تُدفع دفعاً ويُسْتجدى حضورها، فمن غير المناسب أن تفرض عليهم خروفاً فوق تل من الرز، يذوقه الضيف ومرافقه ثم يُرمى بالحاويات، هذا خلاف المنطق وينهى عنه الشرع، وتُخْشَى عواقبه على المجتمع.
بيننا من ينتقد هذه التصرفات الباذخة ويتحدث بالمجالس عن سلبياتها، وحينما يكون الأمر إليه (ضيفاً أو مضيفاً) لا يفعل ما كان يقول مخالفاً مبادئه في هذا الجانب، ولو سألته إن كان مضيفاً لأحدهم لأجاب بأنه يخاف من السنة الناس! وإن كان ضيفاً لقال: أنا لست أقل من غيري واستأهل أكثر من مفطح، فهو شجاع بالكلام ودون ذلك بالتطبيق. ولأني أردت ذات مرة ربط أقوالي بالفعل حينما استضفت مجموعة من الأصدقاء بمناسبة تستحق إعداد مأدبة لهم؛ فقد كانت السفرة تفتقد للمفطح غير أنها منوّعة وعامرة بأصناف اللحم والدجاج والسمك إلى جانب خيرات أزعم أنها ترضي كل متذوّق، وبعد المأدبة وكالعادة نُقدّم النعناع والشاي الأخضر، فعلَّق أحد المدعوين الثانويين بصوت مسموع: النعناع لا يكون إلا بعد المفطح، وهو لمز بما يراه أنه تقصير بحق الضيوف الكرام، وأراه جهلاً اجتمع مع حماقة وسوء أدب، وتمسك بمفاهيم بالية عفا عليها الزمن، على أني أدعو بكل حال إلى الاقتصار على تقديم ما يُؤكل، ولنرتق بمفاهيمنا بأن التكريم ليس بكثرة الطعام.