رمضان جريدي العنزي
للمرائين بأفعالهم عقد مستعصية، وإشكاليات مستديمة، وفلسفة خطب واهية، ووجوه هلامية، وسحنات متشابهة، ما عندهم مناهل إبداع، ولا مناهج عطاء، يمتازون بكثير من الهواجس المقلقة، ورمادية اللغة، عشبهم جاف، وحديقتهم يابسة، هم مثل القدح المكسور، والآنية المثقوبة، يجيئون كما يذهبون، وألسنتهم متعبة من لغو الكلام، ونرجسية الفعل والأنا، أفواههم مثل نقار الخشب، لا يمل من نقر الخشب، صدورهم بارتفاع وانخفاض، ورواياتهم باهتة، سيوفهم مثلومة، وخناجرهم معكوفة، ويشيحون كثيراً عن المألوف والمعهود، لا يخجلون من اختلاق القصص الواهية، ولا من البطولات الزائفة، ولا من تأطير حب الذات الواهن، ولا يمنحون للآخرين الكلام، مشغولون بالأنا حد اللامنتهى، كأن الزمان لهم، والمكان لهم، والأشياء لهم، ما عادوا يدرون، أفات الأوان، أم بقي الأوان، يحسبون أنفسهم بلورا، وسنابل قمح، وفراشات ملونة، وأنهم وحدهم يراقصون النجم والقمر والهمس والبوح السعيد، يظنون أنفسهم بأنهم الورد، والقصيدة الأجمل، والحفل والمحفل، مزهوين بريش الفخامة، يرممون أعمارهم بتأطير الكلام، ويمسحون تجاعيدهم بمناديل الغباء، يحدثون الناس عن الذات، وكيف اختلسوا من الضياء لونه، ومن الرمان العطاء، وكيف أطاحوا بالظل حينما كان ظلاً، وما دروا بأنهم يضاجعون الخديعة وحدهم بانتشاء، طريقهم التوى، وصار في الطريق انحناء، هم يعرفون مدى بهتهم، لكنهم في كل محفل يرسمون للناس الأذى، ما نزل الصبح على حالهم، ولا عاقر أرواحهم السناء، صدى، صدى، صدى، يحبون الصدى، كأنهم ورود تراقص في الصبح الندى، وما علموا بأنهم دود ينبش في اللحم الطري مدى، هم سيل نار، ونضارة العمر عندهم أضناها الأسى، كلما بزغت شمسهم أطفأوها بكوابيس تشبه الشيء الدفين والكفن، وحتى البحر حرثوه، كأن البحر أرض تشهق من سقوط الغمام، ما هم فنارات، ولا مصابيح ظلام، هم فلاسفة لغو وكلام، يا أيها المراؤون بأفعالهم، اهدؤوا، تريثوا، تلمسوا مداكم، الذي كاد يفنيكم، توهجوا بالحقيقة، وأهيلوا النور فوق رؤوسكم، وتدنوا في سمو، وامنحوا الحياة معنى، وارفعوا الرايات البيض، واطردوا الشيطان وحزبه، ولا تخلطوا الشك باليقين، ولا تعملوا للتيه رواية، اسحبوا الوهم الذي أضناكم بالتعب، واعرجوا للمعالي التي تشبه الذهب، لا تنثروا اللقاح في موسم الجفاف، ولا توغلوا في هجير الندم، ولا تجعلوا للفضاء انطفاء، أوقفوا كلامكم المهدور كالماء، لا توغوا سيوفكم المثلومة بصغير أعمالكم، توسدوا آخر أوهامكم، عانقوا الحلم وناموا، ولا تكونوا حناجر تضج زوراً وفاجعة وعويلاً.