محمد عبد الرزاق القشعمي
ولد الشيخ عباس بن يوسف قطان بمكة المكرمة سنة 1313هـ وكان والده وزير النافعة (1) في عهد الأشراف ومن أثرياء مكة وأعيانها المعروفين، وقد اهتم بتعليم ابنه البكر فكان يحضر له بعض المشايخ ليتعلم على يديهم التجويد وبعض دروس الفقه واللغة مع حضوره لحلقات الدرس بالمسجد الحرام، بعد أن تلقى دروسه الأولية في المدرسة الصولتيه، وهي من المدارس الخيرية التي أنشئت بمكة المكرمة في أوائل القرن الهجري الرابع عشر من قبل بعض أثرياء الهند المسلمين.
حرص بعد ذلك على حضور دروس المشايخ عباس مالكي وسعيد يماني والسيد المرزوقي وعمر با جنيد وعمر حمدان وغيرهم.
وكان والده قد أشرف على بناء قصر شبرا في الطائف للشريف علي باشا أمير مكة الأسبق في العهد العثماني، وكان في العهد السعودي من المقربين لجلالة الملك عبدالعزيز – رحمه الله – بعد ضم الحجاز، وقد زاره الملك في داره حينما مرض.
أما عباس فرغم مشاغله بإدارة أعمال والده واسع الثراء، إلا أن الملك عبدالعزيز قد اختاره «.. عضواً في المجلس البلدي بمكة المكرمة في أوائل العهد السعودي. وفي عام 1347هـ عينه الملك عبدالعزيز أميناً للعاصمة، وكانت مكة المكرمة هي عاصمة الدولة منذ أوائل العهد السعودي، واستمرت كذلك طيلة عهد الملك عبدالعزيز وفي عهد الملك سعود تم نقل العاصمة إلى الرياض، وأصبحت مكة المكرمة هي العاصمة المقدسة... وقد استمر الشيخ عباس قطان أميناً للعاصمة بمكة المكرمة من عام 1347هـ إلى نهاية عام 1364هـ وبعدها عين عضواً في مجلس الشورى إلا أنه طلب من جلالة الملك عبدالعزيز إعفاءه من هذا العمل حيث كان راغباً في التفرغ للأعمال الخيرية التي كان ينوي القيام بها»(2) .
ولثقة الملك عبدالعزيز به كلفه بمهام إمارة المدينة المنورة وتصريف شؤونها بعد أن انتهت إمارة عبدالعزيز بن إبراهيم وحتى تم تعيين الأمير عبدالله السديري، رغم مشاغله كأمين للعاصمة، وكان الملك يكلفه بأمور أخرى تطرأ والتي رغب جلالته اتخاذ إجراء معين فيها(3).
يذكر محمد علي مغربي في (أعلام الحجاز) أن دار الشيخ عباس قطان في مكة المكرمة وفي الطائف أيام الصيف مفتوحة للناس تغص بروادها من أهل العلم والفضل ومن الضيوف الذين كانت تنصب لهم الموائد صباح مساء. وكان يستقبل في داره كبار ضيوف الحج من كل عام، وحينما قدم الدكتور محمد حسين هيكل باشا الكاتب المصري ورئيس مجلس الشيوخ المصري إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج نزل بدار الشيخ عباس بالشامية بمكة، وقد أتاح له الفرصة للتعرف على آثار مكة ومعالمها وألف على أثر هذه الزيارة كتابه الشهير (حياة محمد صلى الله عليه وسلم).
ويذكر أن من أشهر أعماله الخيرية التي قدمها للعلم والثقافة والمجتمع بشكل عام:
1 - إنشاء أول مبنى لمدرسة تحفيظ القرآن في دار السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها، وقد باشر في عمارة المبنى سنة 1368هـ، وتم تسليم المبنى المدرسي إلى وزارة المعارف حيث تحقق افتتاح مدرسة تحفيظ القرآن، وهي أول مدرسة لتحفيظ القرآن في المملكة.
2- إنشاء مبنى مكتبة مكة المكرمة في موقع مولد النبي صلى الله عليه وسلم. بدأ إنشاء مقر المكتبة سنة 1370هـ وكان الشيخ عباس يشرف عليه بنفسه، وتوفي إبان إشرافه على تشييد المبنى، فأتمه أبناؤه، ونقلوا إلى المبنى مكتبة الشيخ محمد ماجد الكردي - أحد مديري المعارف العام والمعروفة باسم (المكتبة الماجدية) – بناء على ما كان يخطط له والدهم، وقد سلمت المكتبة إلى وزارة الحج والأوقاف، وهي مكتبة عريقة قيمة للغاية، تضم أقدم كتب التراث النادرة المخطوطة والمطبوعة، وأقدم وأثمن الدوريات والوثائق وغيرها.
3- تولى طبع المخطوطات التراثية النادرة وتوزيعها مجاناً ومنها طباعته لكتاب (القرى لقاصد أم القرى) لمحب الدين الطبري (4).